فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ شَرّٞ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (216)

{ كتب عليكم القتال وهو كره لكم } فرض الله تعالى على المؤمنين أن يقاتلوا أعداء دينهم وإن شق عليهم هذا القتال وإنما كان الجهاد كرها لأن فيه إخراج المال ومفارقة الأهل والوطن والتعرض بالجسد للشجاج والجراح وقطع الأطراف وذهاب النفس فكانت كراهيتهم لذلك ، لا أنهم كرهوا فرض الله تعالى ، قلت : ومثله في الدنيا إزالة ما يؤلم الإنسان ويخاف منه كقطع عضو وقلع ضرس وفصد وحجامة ابتغاء العافية ودوام الصحة ولا نعيم أفضل من الحياة الدائمة في دار الخلد والكرامة في مقعد صدق -{[670]} والجهاد فرض له بين أمانات الدين ما بينه الكتاب المبين { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون }{[671]} ومئات الآيات الكريمة تحرض عليه وتبشر المجاهدين بما يقدمون عليه وكذا الأحاديث النبوية الصريحة الصحيحة ، نقل أبو جعفر : هو على كل واحد حتى يقوم به من في قيامه الكفاية فيسقط فرض ذلك حينئذ عن باقي المسلمين كالصلاة على الجنائز وغسلهم الموتى ودفنهم وعلى هذا عامة علماء المسلمين وذلك هو الصواب عندنا لإجماع الحجة على ذلك . . وقال ابن عطية : والذي استمر عليه الإجماع أن الجهاد على كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم فرض كفاية فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين إلا أن ينزل العدو بساحة الإسلام فهو حينئذ فرض عين . 1ه . { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم } قال أبو عبيدة : { عسى } من الله إيجاب والمعنى عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من مشقة وهو خير لكم في أنكم تغلبون وتظفرون وتغنمون وتؤجرون ومن مات مات شهيدا { وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم } وعسى أن تحبوا الدعة والقعود عن القتال فليتسلط الكفار عليكم ويستبيحوا حرماتكم ويستأصلوكم عن آخركم { والله يعلم وأنتم لا تعلمون } فعلمكم قاصر لكن علم مولانا الخبير محيط وكامل وما شرع لكم إلا ما فيه خيركم في حياتكم هذه وفي آجل أمركم ؛ وبحسب الجهاد أن اللطيف سبحانه جعله سببا للتمكين لدينكم فبالجهاد يثبتكم الله على طريقكم ويرغب الناس في إسلامكم وتعلوا به راية إيمانكم .


[670]:ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن.
[671]:من سورة الحجرات الآية 15.