قوله تعالى : { خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم } ، بها من ذنوبهم ، { وتزكيهم بها } ، أي : ترفعهم من منازل المنافقين إلى منازل المخلصين . وقيل : تنمي أموالهم { وصل عليهم } ، أي : ادع لهم واستغفر لهم . وقيل : هو قول الساعي للمصدق إذا أخذ الصدقة منه : آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت . والصلاة في اللغة : الدعاء .
قوله تعالى : { إن صلاتك } قرأ حمزة والكسائي : " صلاتك " على التوحيد ونصب التاء هاهنا ، وفي سورة هود " أصلاتك " وفي سورة المؤمنين " على صلاتهم " كلهن على التوحيد ، وافقهما حفص هاهنا وفي سورة هود . وقرأ الآخرون بالجمع فيهن ويكسرون التاء هاهنا وفي سورة المؤمنين ، ولا خلاف في التي في الأنعام { وهم على صلاتهم يحافظون } ولا التي في المعارج { وهم على صلاتهم يحافظون } أنها جميعا على التوحيد .
قوله تعالى : { سكن لهم } ، أي : إن دعاءك رحمة لهم . قاله ابن عباس . وقيل : طمأنينة لهم ، وسكون لهم ، أن الله عز وجل قد قبل منهم . وقال أبو عبيدة : تثبيت لقلوبهم . قوله تعالى : { والله سميع عليم } . واختلفوا في وجوب الدعاء على الإمام عند أخذ الصدقة : قال بعضهم : يجب . وقال بعضهم : يستحب . وقال بعضهم : يجب في صدقة الفرض ويستحب في صدقة التطوع . وقيل يجب على الإمام ويستحب للفقير أن يدعو للمعطي .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا آدم بن أبي إياس ، ثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال : سمعت عبد الله ابن أبي أوفى -وكان من أصحاب الشجرة- قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قومه بصدقة قال :اللهم صل عليهم ، فأتاه أبي بصدقته فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى " . وقال ابن كيسان : ليس هذا في صدقة الفرض إنما هو في صدقة كفارة اليمين . وقال عكرمة : هي صدقة الفرض ، فلما نزلت توبة هؤلاء قال الذين لم يتوبوا من المتخلفين : هؤلاء كانوا معنا بالأمس لا يكالمون ولا يجالسون ، فما لهم ؟ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم رجع إلى المدينة نهى المؤمنين عن مكالمة المنافقين ومجالستهم .
قوله تعالى : { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات } . أي يقبلها .
أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يأخُذَ من أموالهم صدقَة يطهرهم ويزكيهم بها ، وهذا عام وإن أعاد بعضهم الضمير في " أموالهم " إلى الذين اعترفوا بذنوبهم وخلطوا عملا صالحًا وآخر سيئا ؛ ولهذا اعتقد بعض مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة إلى الإمام لا يكون ، وإنما كان هذا خاصًا برسول الله{[13814]} صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا احتجوا بقوله تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } وقد رَدَّ عليهم هذا التأويل والفهم الفاسد الصديق أبو بكر وسائر الصحابة ، وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة ، كما كانوا يُؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى قال الصديق : والله لو منعوني عِقالا - وفي رواية : عَناقًا - يُؤدُّونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقاتلنهم على منعه{[13815]} . وقوله : { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } أي : ادع لهم واستغفر لهم ، كما رواه مسلم في صحيحه ، عن عبد الله بن أبي أوفى قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أُتِيَ بصدقة قوم صَلَّى عليهم ، فأتاه أبي بصدقته فقال : " اللهم صَل على آل أبي أوفى " {[13816]} وفي الحديث الآخر : أن امرأة قالت : يا رسول الله ، صلّ عليَّ وعلى زوجي . فقال : " صلى الله عليك ، وعلى زوجك " {[13817]} .
وقوله : { إنّ صَلاتك } : قرأ بعضهم : " صلواتك " على الجمع ، وآخرون قرءوا : { إِنَّ صَلاتَكَ } على الإفراد .
{ سَكَنٌ لَهُمْ } قال ابن عباس : رحمة لهم . وقال قتادة : وقار .
وقوله : { وَاللَّهُ سَمِيعٌ } أي : لدعائك { عَلِيمٌ } أي : بمن يستحق ذلك منك ومن هو أهل له .
قال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا أبو العُمَيْس ، عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة ، عن ابن لحذيفة ، عن أبيه ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا لرجل أصابته ، وأصابت ولده ، وولد ولده{[13818]} .
ثم رواه عن أبي نُعَيم ، عن مِسْعَر ، عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة ، عن ابن لحذيفة - قال مسعر :
وقد ذكره مرة عن حذيفة - : إن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لتُدرك الرجل وولده وولد ولده{[13819]} .
{ خذ من أموالهم صدقة } روي : أنهم لما أطلقوا قالوا يا رسول الله هذه أموالنا التي خلفتنا فتصدق بها وطهرنا فقال : " ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا " فنزلت . { تطهّرهم } من الذنوب أو حب المال المؤدي بهم إلى مثله . وقرئ { تطهرهم } من أطهره بمعنى طهره و{ تطهرهم } بالجزم جوابا للأمر . { وتزكّيهم بها } وتنمي بها حسناتهم وترفعهم إلى منازل المخلصين . { وصلّ عليهم } واعطف عليهم بالدعاء والاستغفار لهم . { إن صلاتك سكن لهم } تسكن إليها نفوسهم وتطمئن بها قلوبهم ، وجمعها لتعدد المدعو لهم وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالتوحيد . { والله سميع } لاعترافهم . { عليم } بندامتهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.