معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞وَحَرَّمۡنَا عَلَيۡهِ ٱلۡمَرَاضِعَ مِن قَبۡلُ فَقَالَتۡ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰٓ أَهۡلِ بَيۡتٖ يَكۡفُلُونَهُۥ لَكُمۡ وَهُمۡ لَهُۥ نَٰصِحُونَ} (12)

قال ابن عباس : إن امرأة فرعون كان همها من الدنيا أن تجد مرضعة ، وكلما أتوا بمرضعة لم يأخذ ثديها ، فذلك قوله عز وجل : { وحرمنا عليه المراضع } والمراد من التحريم المنع ، والمراضع : جمع المرضع ، { من قبل } أي : من قبل مجيء أم موسى ، فلما رأت أخت موسى التي أرسلتها أمه في طلبه ذلك قالت لهم : هل أدلكم . وفي القصة أن موسى مكث ثمان ليال لا يقبل ثدياً ويصبح وهم في طلب مرضعة له . ‌{ فقالت } يعني أخت موسى ، { هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه } أي : يضمنونه { لكم } ويرضعونه ، وهي امرأة قد قتل ولدها فأحب شيء إليها أن تجد صغيراً ترضعه ، { وهم له ناصحون } والنصح ضد الغش ، وهو تصفية العمل من شوائب الفساد ، قالوا : نعم فأتينا بها . قال ابن جريج والسدي : لما قالت أخت موسى : { وهم له ناصحون } أخذوها وقالوا : إنك قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله . فقالت : ما أعرفه ، وقلت هم للملك ناصحون . وقيل : إنها قالت : إنما قلت هذا رغبة في سرور الملك واتصالنا به . وقيل إنها لما قالت : { هل أدلكم على أهل بيت } قالوا لها : من ؟ قالت : أمي ، قالوا : ولأمك ابن ؟ قالت : نعم هارون ، وكان هارون ولد في سنة لا يقتل فيها الولدان ، قالوا : صدقت ، فأتينا بها ، فانطلقت إلى أمها وأخبرتها بحال ابنها ، وجاءت بها إليهم ، فلما وجد الصبي ريح أمه قبل ثديها ، وجعل يمصه حتى امتلأ جنباه رياً . قال السدي : كانوا يعطونها كل يوم ديناراً .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَحَرَّمۡنَا عَلَيۡهِ ٱلۡمَرَاضِعَ مِن قَبۡلُ فَقَالَتۡ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰٓ أَهۡلِ بَيۡتٖ يَكۡفُلُونَهُۥ لَكُمۡ وَهُمۡ لَهُۥ نَٰصِحُونَ} (12)

قال الله تعالى : { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ } أي : تحريمًا قَدَريا ، وذلك لكرامة الله له صانه{[22227]} عن أن يرتضع غير ثدي أمه ؛ ولأن الله - سبحانه - جعل ذلك سببًا إلى رجوعه إلى أمه ، لترضعه وهي آمنة ، بعدما كانت خائفة . فلما رأتهم [ أخته ]{[22228]} حائرين فيمن يرضعه قالت : { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ } {[22229]} لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ .

قال ابن عباس : لما قالت ذلك أخذوها ، وشكوا في أمرها ، وقالوا لها : وما يدريك نصحهم له وشفقتهم عليه ؟ فقالت : نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في ظُؤُورة{[22230]} الملك ورجاء منفعته . فأرسلوها ، فلما قالت لهم ذلك وخَلَصت من أذاهم ، ذهبوا معها إلى منزلهم ، فدخلوا به{[22231]} على أمه ، فأعطته ثديها فالتقمه ، ففرحوا بذلك فرحًا شديدًا . وذهب البشير إلى امرأة الملك ، فاستدعت أم موسى ، وأحسنت إليها ، وأعطتها عطاءً جزيلا وهي لا تعرف أنها أمه في الحقيقة ، ولكن لكونه وافق ثديها . ثم سألتها آسية أن تقيم عندها فترضعه ، فأبت عليها وقالت : إن لي بعلا وأولادًا ، ولا أقدر على المقام عندك . ولكن إن أحببت أن أرضعه في بيتي فعلت . فأجابتها امرأة فرعون إلى ذلك ، وأجْرَتْ عليها النفقة والصلات والكساوي والإحسان الجزيل . فرجعت أم موسى بولدها راضية مرضية ، قد أبدلها الله من بعد خوفها أمنا ، في عز وجاه ورزق دَارٍّ . ولهذا جاء في الحديث : " مثل الذي يعمل ويحتسب في صنعته الخير ، كمثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها " ولم يكن بين الشدة والفرج إلا القليل : يوم وليلة ، أو نحوه ، والله [ سبحانه ]{[22232]} أعلم ، فسبحان من بيديه الأمر ! ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، الذي يجعل لمن اتقاه بعد كل هم فرجًا ، وبعد كل ضيق{[22233]} مخرجًا . ولهذا قال تعالى : { فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا }


[22227]:- في ت : "صيانة".
[22228]:- زيادة من ت.
[22229]:- في ت : "يرضعونه".
[22230]:- في هـ ، ت ، ف ، أ : "صهر" والمثبت من حديث الفتون. انظر : الجزء الخامس ، تفسير سورة طه.
[22231]:- في ت : "بها".
[22232]:- زيادة من أ.
[22233]:- في ت : "ضيقة".
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{۞وَحَرَّمۡنَا عَلَيۡهِ ٱلۡمَرَاضِعَ مِن قَبۡلُ فَقَالَتۡ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰٓ أَهۡلِ بَيۡتٖ يَكۡفُلُونَهُۥ لَكُمۡ وَهُمۡ لَهُۥ نَٰصِحُونَ} (12)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وحرمنا عليه المراضع من قبل} أن يصير إلى أمه، وذلك أنه لم يقبل ثدي امرأة {فقالت} أخته {هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم} يعني: يضمنون لكم رضاعه، {وهم له} للولد {ناصحون} هن أشفق عليه وأنصح له من غيره، فأرسل إليها فجاءت، فلما وجد الصبي ريح أمه قبل ثديها. فذلك قوله عز وجل: {فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ومنعنا موسى المراضع أن يرتضع منهنّ من قبل أمه. ذكر أن أختا لموسى هي التي قالت لآل فرعون:"هَلْ أدُلكُمْ عَلى أهْلِ بَيْتٍ يكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَه ناصِحونَ"... ويعني بقوله "يكْفُلُونَهُ لَكُمْ": يضمونه لكم. وقوله: "وَهُمْ لَهُ ناصِحونَ "ذكر أنها أخذت، فقيل: قد عرفته، فقالت: إنما عنيت أنهم للملك ناصحون.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وحرمنا عليه المراضع من قبل} حرم تحريم منع وحظر: التحريم الذي ضده الإطلاق والإرسال لا التحريم الذي ضده الحل؛ وذلك لطف من الله تعالى وفضل ورحمة حين منع موسى عن أن يرضع من النساء، وهو طفل، وهمة أمثاله الارتضاع والرغبة في التناول من كل لبن ومن كل مرضع ترضعه لا تمييز له في الارتضاع. فدل امتناعه وكفه نفسه عن الارتضاع من النساء جميعا أن ذلك لطف من الله أعطاه ليمتنع عنه...

وفيه لطف آخر، وهو أن فرعون والقبط كانوا يقتلون الولدان من الذكور ليصير الذي يخاف هلاكه وذهاب ملكه على يديه مقتولا. فجعل الله بلطفه ورحمته محبته في قلب فرعون وقلوب أهله حتى صار أحب الخلق إليهم، وصاروا أشفق الناس وأرحمهم عليه حتى خافوا هلاكه، وطلبوا له المراضع لئلا يهلك بعد ما كانوا يطلبون هلاكه وتلفه. وذلك لطف منه له ورحمة. وهو ما قال: {وألقيت عليك محبة مني} [طه: 39]. وبالله يستفاد كل فضل ونعمة...

{فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم} قوله: {فقالت} أي أخته التي كانت تتبعه، وتمشي على إثره، وذلك منها عدم تعريض الدلالة لهم إلى أمه لئلا يشعروا أنها أمه حين قالت: {هل أدلكم على أهل بيت} ولم تقل: على امرأة لها لبن وهي ترضع. ولعلها لو قالت لهم ذاك وقع عندهم أنها أمه. ولكن دلتهم على بيت ليقع عندهم أنهم أهل بيت قتل ولدهم، ولهم ولد {يكفلونه لكم} أي يقبلونه، ويضمونه إلى أنفسهم {وهم له ناصحون}...

يحتمل قوله: {وهم له ناصحون} أي لفرعون، لا يخونوه فيه. ويحتمل {وهم له ناصحون} لموسى.

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

... {وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} والنصح: إخلاص العمل من شائب الفساد، وهو نقيض الغش.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{من قبل} أي من قبل أن رددناه إلى أمه ومن قبل مجيء أخت موسى عليه السلام، ومن قبل ولادته في حكمنا وقضائنا.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

... {يكفلونه}، معناه: يحسنون تربيته وإرضاعه.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان ذلك أحد الأسباب في رده، ذكر في جملة حالية سبباً آخر قريباً منه فقال: {وحرمنا} أي منعنا بعظمتنا التي لا يتخلف أمرها، ويتضاءل كل شيء دونها {عليه المراضع} جمع مرضعة، وهي من تكترى للرضاع من الأجانب، أي حكمنا بمنعه من الارتضاع منهن، استعار التحريم للمنع لأنه منع فيه رحمة؛ قال الرازي في اللوامع: تحريم منع لا تحريم شرع.

ولما كان قد ارتضع من أمه من حين ولدته إلى حين إلقائه في اليم، فلم يستغرق التحريم الزمان الماضي، أثبت الجار فقال: {من قبل} أي قبل أن تأمر أمه أخته بما أمرتها به وبعد إلقائها له، ليكون ذلك سبباً لرده إليها، فلم يرضع من غيرها فأشفقوا عليه فأتتهم أخته فقالوا لها: هل عندك مرضعة تدلينا عليها لعله يقبل ثديها؟ {فقالت} أي فدنت أخته منه بعد نظرها له فقالت لهم لما رأتهم في غاية الاهتمام برضاعه لما عرضوا عليه المراضع فأبى أن يرتضع من واحدة منهن: {هل} لكم حاجة في أني {أدلكم على أهل بيت} ولم يقل: على امرأة، لتوسع دائرة الظن {يكفلونه لكم} أي يأخذونه ويعولونه ويقومون بجميع مصالحه من الرضاع وغيره لأجلكم، وزادتهم رغبة بقولها: {وهم له ناصحون} أي ثابت نصحهم له، لا يغشونه نوعاً من الغش... فكادت بهذا الكلام تصرح بأن المدلول عليها أمه، فارتابوا من كلامها فاعتذرت بأنهم يعملون ذلك تقرباً إلى الملك وتحبباً إليه تعززاً به، فظنوا ذلك، وهذا وأمثاله بيان من الله تعالى لأنه لا يعلم أحد في السماوات والأرض الغيب إلا هو سبحانه، فلا يصح أن يكون غيره إلهاً، فلما سكنوا إليها طلبوا أن تدلهم، فأتت بأمها فأحللنا له رضاعها فأخذ ثديها.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

إن القدرة التي ترعاه تدبر أمره، وتكيد به لفرعون وآله؛ فتجعلهم يلتقطونه، وتجعلهم يحبونه، وتجعلهم يبحثون له عن ظئر ترضعه، وتحرم عليه المراضع، لتدعهم يحتارون به؛ وهو يرفض الثدي كلما عرضت عليه، وهم يخشون عليه الموت أو الذبول! حتى تبصر به أخته من بعيد، فتعرفه وتتيح لها القدرة فرصة لهفتهم على مرضع، فتقول لهم: (هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون)؟ فيتلقفون كلماتها، وهم يستبشرون، يودون لو تصدق فينجو الطفل العزيز المحبوب!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

العدول عن الجملة الفعلية إلى الاسمية في قوله {وهم له ناصحون} لقصد تأكيد أن النصح من سجاياهم ومما ثبت لهم فلذلك لم يقل: وينصحون له كما قيل {يكفلونه لكم} لأن الكفالة أمر سهل بخلاف النصح والعناية. وتعليق {له} ب {ناصحون} ليس على معنى التقييد بل لأنه حكاية الواقع. فالمعنى: أن النصح من صفاتهم فهو حاصل له كما يحصل لأمثاله حسب سجيتهم. والنصح: العمل الخالص الخلي من التقصير والفساد.