الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{۞وَحَرَّمۡنَا عَلَيۡهِ ٱلۡمَرَاضِعَ مِن قَبۡلُ فَقَالَتۡ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰٓ أَهۡلِ بَيۡتٖ يَكۡفُلُونَهُۥ لَكُمۡ وَهُمۡ لَهُۥ نَٰصِحُونَ} (12)

قوله تعالى : " وحرمنا عليه المراضع من قبل " أي منعناه من الارتضاع من قبل ، أي من قبل مجيء أمه وأخته و " المراضع " جمع مرضع ومن قال مراضيع فهو جمع مرضاع ، ومفعال يكون للتكثير ، ولا تدخل الهاء فيه فرقا بين المؤنث والمذكر ؛ لأنه ليس بجار على الفعل ، ولكن من قال مرضاعة جاء بالهاء للمبالغة ، كما يقال مطرابة . قال ابن عباس : لا يؤتى بمرضع فيقبلها وهذا تحريم منع لا تحريم شرع . قال امرؤ القيس :

جالت لتصرَعَنِي فقلتُ لها اقْصِرِي *** إني امرؤٌ صرعِي عليكِ حَرَامُ{[12338]}

أي ممتنع " فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم " الآية . فقالوا لها عند قولها : " وهم له ناصحون " وما يدريك ؟ لعلك تعرفين أهله ؟ فقالت : لا ، ولكنهم يحرصون على مسرة الملك ، ويرغبون في ظئره . وقال السدي وابن جريج : قيل لها لما قالت : " وهم له ناصحون " قد عرفت أهل هذا الصبي فدلينا عليهم ، فقالت : أردت وهم للملك ناصحون ، فدلتهم على أم موسى ، فانطلقت إليها بأمرهم فجاءت بها ، والصبي علي يد فرعون يعلله شفقة عليه ، وهو يبكي يطلب الرضاع ، فدفعه إليها ، فلما وجد الصبي ريح أمة قبل ثديها وقال ابن زيد : استرابوها حين قالت ذلك . فقالت : وهم للملك ناصحون . وقيل : إنها لما قالت : " هل أدلكم علي أهل بيت يكلفونه لكم " وكانوا يبالغون في طلب مرضعة يقبل ثديها فقالوا : من هي ؟ فقالت : أمي . فقيل : لها لبن ؟ قالت : نعم ! لبن هارون وكان ولد في سنة لا يقتل فيها الصبيان فقالوا صدقت والله . " وهم له ناصحون " أي فيهم شفقة ونصح ، فروي أنه قيل لأم موسى حين ارتضع منها : كيف ارتضع منك ولم يرتضع من غيرك ؟ فقالت : إني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن ، لا أكاد أوتى بصبي إلا ارتضع مني قال أبو عمران الجوني : وكان فرعون يعطي أم موسي كل يوم دينارا قال الزمخشري : فإن قلت كيف حل لها أن تأخذ الأجر علي إرضاع ولدها ؟ قلت : ما كانت تأخذه على أنه أجر على الرضاع ، ولكنه مال حربي تأخذه على وجه الاستباحة .


[12338]:جالت: قلقت. يقول: ذهبت الناقة بقلقها ونشاطها لتصرعني فلم تقدر على ذلك لحذقي بالركوب ومعرفتي به.