البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞وَحَرَّمۡنَا عَلَيۡهِ ٱلۡمَرَاضِعَ مِن قَبۡلُ فَقَالَتۡ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰٓ أَهۡلِ بَيۡتٖ يَكۡفُلُونَهُۥ لَكُمۡ وَهُمۡ لَهُۥ نَٰصِحُونَ} (12)

والتحريم هنا بمعنى المنع ، أي منعناه أن يرضع ثدي امرأة ؛ والمراضع جمع مرضع ، وهي المرأة التي ترضع ؛ أو جمع مرضع ، وهو موضع الرضاع ، وهو الثدي ، أو الإرضاع .

{ من قبل } : أي من أول أمره .

وقيل : من قبل قصها أثره وإتيانه على من هو عنده .

{ فقالت هل أدلكم } : أي أرشدكم إلى { أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون } ، لكونهم فيهم شفقة ورحمة لمن يكفلونه وحسن تربية .

ودل قوله : { وحرمنا عليه المراضع } ، أنه عرض عليه جملة من المرضعات ، والظاهر أن الضمير في له عائد على موسى .

قيل : ويحتمل أن يعود على الملك الذي كان الطفل في ظاهر أمْره من جملته .

وقال ابن جريج : تأول القوم أن الضمير للطفل فقالوا لها : إنك قد عرفتيه ، فأخبرينا من هو ؟ فقالت : ما أردت ، إلا أنهم ناصحون للملك ، فتخلصت منهم بهذا التأويل .

وفي الكلام حذف تقديره : فمرت بهم إلى أمه ، فكلموها في إرضاعه ؛ أو فجاءت بأمه إليهم ، فكلموها في شأنه ، فأرضعته ، فالتقم ثديها .

ويروى أن فرعون قال لها : ما سبب قبول هذا الطفل ثديك ، وقد أبى كل ثدي ؟ فقالت : إني امرأة طيبة الريح ، طيبة اللبن ، لا أوتي بصبي إلا قبلني ، فدفعه إليها ، وذهبت به إلى بيتها ، وأجرى لها كل يوم ديناراً .

وجاز لها أخذه لأنه مال حربي ، فهو مباح ، وليس ذلك أجرة رضاع .