قوله تعالى : { وما كان ربك مهلك القرى } أي : القرى الكافرة وأهلها ، { حتى يبعث في أمها رسولاً } يعني : في أكبرها وأعظمها رسولاً ينذرهم ، وخص الأعظم ببعثة الرسول فيها ، لأن الرسول يبعث إلى الأشراف ، والأشراف يسكنون المدائن ، والمواضع التي هي أم ما حولها ، { تتلو عليهم آياتنا } قال مقاتل : يخبرهم الرسول أن العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا ، { وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون } مشركون ، يريد : أهلكهم بظلمهم .
ثم قال الله{[22384]} مخبرًا عن عدله ، وأنه لا يهلك أحدًا ظالمًا له ، وإنما يهلك من أهلك بعد قيام الحجة عليهم ، ولهذا قال : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا } وهي مكة { رَسُولا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا } . فيه دلالة على أن النبي الأمي ، وهو محمد ، صلوات الله وسلامه عليه{[22385]} ، المبعوث من أم القرى ، رسول إلى جميع القرى ، من عرب وأعجام ، كما قال تعالى : { لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا } [ الشورى : 7 ] ، وقال تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } [ الأعراف : 158 ] ، وقال : { لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } [ الأنعام : 19 ] ، وقال : { وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ } [ هود : 17 ] . وتمام الدليل [ قوله ]{[22386]} { وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا } [ الإسراء : 58 ] . فأخبر أنه سيهلك كل قرية قبل يوم القيامة ، وقد قال : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا } [ الإسراء : 15 ] . فجعل تعالى بعثة النبي الأمي شاملة لجميع القرى ؛ لأنه مبعوث إلى{[22387]} أمها وأصلها التي ترجع إليها . وثبت في الصحيحين عنه ، صلوات الله وسلامه عليه{[22388]} ، أنه قال : " بعثت إلى الأحمر والأسود " . ولهذا ختم به الرسالة والنبوة ، فلا نبي بعده ولا رسول ، بل شرعه باق بقاء الليل والنهار إلى يوم القيامة .
وقيل : المراد بقوله : { حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا } أي : أصلها وعظيمتها ، كأمهات الرساتيق والأقاليم . حكاه الزمخشري وابن الجوزيّ ، وغيرهما ، وليس ببعيد .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا كَانَ رَبّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىَ حَتّىَ يَبْعَثَ فِيَ أُمّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنّا مُهْلِكِي الْقُرَىَ إِلاّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وَما كانَ رَبّكَ يا محمد مُهْلِكَ القُرَى التي حوالي مكة في زمانك وعصرك . حتى يَبْعَثَ فِي أُمّها رَسُولاً يقول : حتى يبعث في مكة رسولاً ، وهي أمّ القرى ، يتلو عليهم آيات كتابنا ، والرسول : محمد صلى الله عليه وسلم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة حتى يَبْعَثَ في أُمّها رَسُولاً وأمّ القرى مكة ، وبعث الله إليهم رسولاً : محمدا صلى الله عليه وسلم .
وقوله : وَما كُنّا مُهْلِكِي القُرَى إلاّ وأهْلُها ظالِمُونَ يقول : ولم نكن لنهلك قرية وهي بالله مؤمنة إنما نهلكها بظلمها أنفسها بكفرها بالله ، وإنما أهلكنا أهل مكة بكفرهم بربهم وظلم أنفسهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
20980حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَما كُنّا مُهْلِكي القُرَى إلاّ وأهْلُها ظالِمُونَ قال الله : لم يهلك قرية بإيمان ، ولكنه يهلك القرى بظلم إذا ظلم أهلها ، ولو كانت قرية آمنت لم يهلكوا مع من هلك ، ولكنهم كذّبوا وظلموا ، فبذلك أُهلكهوا .
إن كانت الإرادة ب { القرى } المدن التي في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ف «أم القرى » مكة ، وإن كانت الإرادة { القرى } بالإطلاق في كل زمن ف { أمها } في هذا الموضع أعظمها وأفضلها الذي هو بمثابة مكة في عصر محمد صلى الله عليه وسلم ، وإن كانت أم القرى كلها أيضاً من حيث هي أول ما خلق من الأرض ومن حيث فيها البيت ، ومعنى الآية أن الله تعالى يقيم الحجة على عباده بالرسل فلا يعذب إلا بعد نذارة وبعد أن يتمادى أهل القرى في ظلم وطغيان ، و «الظلم » هنا يجمع الكفر والمعاصي والتقصير في الجهاد وبالجملة وضع الباطل موضع الحق
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.