قوله تعالى : { وكذب الذين من قبلهم } من الأمم رسلنا ، وهم : عاد ، وثمود ، وقوم إبراهيم ، وقوم لوط ، وغيرهم ، { وما بلغوا } يعني : هؤلاء المشركين ، { معشار } أي : عشر ، { ما آتيناهم } أي : أعطينا الأمم الخالية من القوة والنعمة وطول العمر ، { فكذبوا رسلي فكيف كان نكير } أي : إنكاري وتغييري عليهم ، يحذر كفار هذه الأمة عذاب الأمم الماضية .
ثم قال : { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } أي : من الأمم ، { وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } قال ابن عباس : أي من القوة في الدنيا . وكذلك{[24397]} قال قتادة ، والسدّي ، وابن زيد . كما قال تعالى : { وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [ الأحقاف : 26 ] ، { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً } [ غافر : 82 ] ، أي : وما دفع ذلك عنهم عذاب الله ولا رده ، بل دمر الله عليهم لما كذبوا رسله ؛ ولهذا قال : { فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } أي : فكيف كان نكالي وعقابي وانتصاري لرسلي{[24398]} ؟ .
وقوله : وكَذّبَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يقول : وكذّب الذين من قبلهم من الأمم رسلنا وتنزيلنا وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ يقول : ولم يبلغ قومك يا محمد عُشْر ما أعطينا الذين من قبلهم من الأمم من القوّة والأيدي والبطْش ، وغير ذلك من النعم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما ءاتَيْناهُمْ من القوّة في الدنيا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما ءاتَيْناهُمْ يقول : ما جاوزوا معشار ما أنعمنا عليهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وكَذّبَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما ءاتَيْناهُمْ يخبركم أنه أَعْطَى القوم ما لم يُعْطكم من القوّة وغير ذلك .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما ءاتَيْنَاهُمْ قال : ما بلغ هؤلاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم معشار ما آتينا الذين من قبلهم ، وما أعطيناهم من الدنيا ، وبسطنا عليهم فَكَذّبوا رسلي فكَيْفَ كانَ نَكِيرِ يقول : فكذّبوا رسلي فيما أتوهم به من رسالتي ، فعاقبناهم بتغييرنا بهم ما كنا آتيناهم من النعم ، فانظر يا محمد كيف كان نكير . يقول : كيف كان تغييري بهم وعقوبتي .
ثم هددهم فقال : { وكذب الذين من قبلهم } كما كذبوا . { وما بلغوا معشار ما آتيناهم } وما بلغ هؤلاء عشر ما آتينا أولئك من القوة وطول العمر وكثرة المال ، أو ما بلغ أولئك عشر ما آتينا هؤلاء من البينات والهدى . { فكذبوا رسلي فكيف كان نكير } فحين كذبوا رسلي جاءهم إنكاري بالتدمير فكيف كان نكيري لهم فليحذر هؤلاء من مثله ، ولا تكرير في كذب لأن الأول للتكثير والثاني للتكذيب ، أو الأول مطلق والثاني مقيد ولذلك عطف عليه بالفاء .
ثم مثل لهم بالأمم المكذبة قبلهم ، وقوله { وما بلغوا معشار ما آتيناهم } يحتمل ثلاثة معان : أحدها أن يعود الضمير في { بلغوا } على قريش ، وفي { آتيناهم } على الأمم { الذين من قبلهم } ، والمعنى من قوة والنعم والظهور في الدنيا ، قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد ، والثاني أن يعود الضمير في { بلغوا } على الأمم المتقدمة وفي { آتيناهم } على قريش ، والمعنى من الآيات والبينات والنور الذي جئتهم به ، والثالث أن يعود الضميران على الأم المتقدمة ، والمعنى من شكر النعمة وجزاء المنة و «المعشار » ، ولم يأت هذا البناء إلا في العشرة والأربعة فقالوا : مرباع ومعشار وقال قوم : المعشار عشر العشر .
قال القاضي أبو محمد : وهذا ليس بشيء ، والنكير مصدر كالإنكار في المعنى وكالعديد في الوزن وسقطت الياء منه تخفيفاً لأنها آخر آية ، و { كيف } تعظيم للأمر وليست استفهاماً مجرداً ، وفي هذا تهديد لقريش أي أنّهم معرضون لنكير مثله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.