{ وكذب الذين من قبلهم } : توعد لهم ممن تقدمهم من الأمم ، وما آل إليه أمرهم ، وتسلية لرسوله بأن عادتهم في التكذيب عادة الأمم السابقة ، وسيحل بهم ما حل بأولئك .
وأن الضميرين في : { بلغوا } وفي : { ما آتيناهم } عائدان على { الذين من قبلهم } ، ليتناسقا مع قوله تعالى : { فكذبوا } ، أي ما بلغوا في شكر النعمة وجزاء المنة معشار ما آتيناهم من النعم والإحسان إليهم .
وقال ابن عباس ، وقتادة ، وابن زيد : الضمير في { بلغوا } لقريش ، وفي { ما آتيناهم } للأمم { الذين من قبلهم } .
والمعنى : وما بلغ هؤلاء بعض ما آتينا أولئك من طول الأعمار وقوة الأجسام وكثرة الأموال ، وحيث كذبوا رسلي جاءهم إنكاري بالتدمير والاستئصال ، ولم يغن عنهم ما كانوا فيه من القوة ، فكيف حال هؤلاء إذا جاءهم العذاب والهلاك ؟ وقيل : الضمير في { بلغوا } عائد على { الذين من قبلهم } ، وفي { آتيناهم } على قريش ، وما بلغ الأمم المتقدمة معشار ما آتينا قريشاً من الآيات والبينات والنور الذي جئتهم به .
وأورد ابن عطية هذه الأقوال احتمالات ، والزمخشري ذكر الثاني ، وأبو عبد الله الرازي اختار الثالث ، قال : أي { الذين من قبلهم } ما بلغوا معشار ما آتينا قوم محمد من البرهان ، وذلك لأن كتاب محمد ، عليه السلام ، أكمل من سائر الكتب وأوضح ، ومحمد ، عليه السلام ، أفضل من جميع الرسل وأفصح ، وبرهانه أوفي ، وبيانه أشفى ، ويؤيد ما ذكرنا ، { وما آتيناهم من كتب يدرسونها } تغني عن القرآن .
فلما كان المؤتى في الآية الأولى هو الكتاب ، حمل الإيتاء في الآية الثانية على إيتاء الكتاب ، وكان أولى . انتهى .
وعن ابن عباس : فليس أنه أعلم من أمّته ، ولا كتاب أبين من كتابه .
والمعشار مفعال من العشر ، ولم يبن على هذا الوزن من ألفاظ العدد غيره وغير المرباع ، ومعناهما : العشر والربع .
وقال قوم : المعشار عشر العشر .
قال ابن عطية : وهذا ليس بشيء . انتهى .
وقيل : والعشر في هذا القول عشر المعشرات ، فيكون جزأ من ألف جزء .
قال الماوردي : وهو الأظهر ، لأن المراد به المبالغة في التقليل .
وقال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى { فكذبوا رسلي } ، وهو مستغنى عنه بقوله { وكذب الذين من قبلهم } ؟ قلت : لما كان معنى قوله : { وكذب الذين من قبلهم } ، وفعل الذين من قبلهم التكذيب ، وأقدموا عليه ، جعل تكذيب الرسل مسبباً عنه ، ونظيره أن يقول القائل : أقدم فلان على الكفر ، فكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم .
ويجوز أن ينعطف على قوله : { ما بلغوا } ، كقولك : ما بلغ زيد معشار فضل عمرو ، فيفضل عليه .
{ فكيف كان نكير } : للمكذبين الأوّلين ، فليحذروا من مثله . انتهى .
وفكيف : تعظيم للأمر ، وليست استفهاماً مجرداً ، وفيه تهديد لقريش ، أي أنهم معرضون لنكير مثله ، والنكير مصدر كالإنكار ، وهو من المصادر التي جاءت على وزن فعيل ، والفعل على وزن أفعل ، كالنذير والعذير من أنذر وأعذر ، وحذفت إلى من نكير تخفيفاً لأنها أجزأته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.