الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَكَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَمَا بَلَغُواْ مِعۡشَارَ مَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ فَكَذَّبُواْ رُسُلِيۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ} (45)

قوله : { وَمَا بَلَغُواْ } الظاهرُ أن الضميرُ في " بَلَغُوا " وفي " آتيناهم " للذين مِنْ قبلهم ليناسِقَ قوله : " فكذَّبُوا رُسُلي " بمعنى : أنهم لم يَبْلُغوا في شُكْر النِّعْمَة وجزاءِ المِنَّةِ مِعْشارَ ما آتيناهم من النعمِ والإِحسانِ إليهم . وقيل : بل ضميرُ الرفع لقريشٍ والنصبِ للذين مِنْ قبلهم ، وهو قولُ ابنِ عباس على معنى أنهم كانوا أكثرَ أموالاً . وقيل : بالعكس على معنى : إنَّا أَعْطَيْنا قريشاً من الآياتِ والبراهينِ ما لم نُعْطِ مَنْ قبلَهم .

واخْتُلِفَ في المِعْشار فقيل : هو بمعنى العُشْرِ ، بنى مِفْعال مِنْ لفظِ العُشْر كالمِرْبَاع ، ولا ثالثَ لهما من ألفاظِ العدد لا يقال : مِسْداسَ ولا مِخْماس . وقيل : هو عُشْرُ العُشْرِ . إلاَّ أنَّ ابنَ عطيَّة أنكره وقال : " ليس بشيء " . وقال الماوردي : " المِعْشارُ هنا : هو عُشْرُ العُشَيْرِ ، والعُشَيْرُ هو عُشْرُ العُشْر ، فيكون جزءاً من ألفٍ " . قال : " وهو الأظهرُ ؛ لأنَّ المرادَ به المبالغةَ في التقليل " .

قوله : " فَكَذَّبوا " فيه وجهان ، أحدُهما : أنه معطوف على { كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ } . والثاني : أنه معطوف على " وما بَلَغُوا " وأوضحَهما الزمخشريُّ فقال : " فإنْ قُلْتَ : ما معنى " فكذَّبُوا رُسُلي " وهو مستغنى عنه بقوله : { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ } ؟ قلت : لمَّا كان معنى قولِه : { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ } : وفَعَلَ الذين مِنْ قبلِهم التكذيبَ ، وأَقْدَمُوا عليه جُعِلَ تكذيبُ الرسلِ مُسَبَّباً عنه . ونظيرُه أَنْ يقولَ القائلُ : أقدمَ فلانٌ على الكفر فَكَفَرَ بمحمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم . ويجوزُ أَنْ يُعْطَفَ على قَولِه : " وما بَلَغوا " كقولك : ما بلغ زيدٌ مِعْشارَ فضل عمروٍ فتَفَضَّلَ عليه " .

و " نَكير " مصدرٌ مضافٌ لفاعِله أي : إنكاري . وتقدَّمَ حَذْفُ يائِه وإثباتُها .