فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَكَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَمَا بَلَغُواْ مِعۡشَارَ مَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ فَكَذَّبُواْ رُسُلِيۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ} (45)

ثم خوّفهم سبحانه ، وأخبر عن عاقبتهم ، وعاقبة من كان قبلهم ، فقال : { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ } من القرون الخالية { وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَا ءاتيناهم } أي ما بلغ أهل مكة من مشركي قريش ، وغيرهم من العرب عشر ما آتينا من قبلهم من القوّة ، وكثرة المال ، وطول العمر ، فأهلكهم الله ، كعاد وثمود وأمثالهم . والمعشار : هو العشر . قال الجوهري : معشار الشيء عشره . وقيل المعشار : عشر العشر ، والأوّل أولى . وقيل إن المعنى : ما بلغ من قبلهم معشار ما آتينا هؤلاء من البينات والهدى . وقيل : ما بلغ من قبلهم معشار شكر ما أعطيناهم . وقيل : ما أعطى الله من قبلهم معشار ما أعطاهم من العلم والبيان والحجة والبرهان ، والأوّل أولى . وقيل : المعشار عشر العشير ، والعشير عشر العشر ، فيكون جزءاً من ألف جزء . قال الماوردي : وهو الأظهر ؛ لأن المراد به المبالغة في التقليل ، قلت : مراعاة المبالغة في التقليل ، لا يسوغ لأجلها الخروج عن المعنى العربي ، وقوله : { فَكَذَّبُواْ رُسُلِى } عطف على { كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ } على طريقة التفسير ، كقوله : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا } [ القمر : 9 ] الآية ، والأولى أن يكون من عطف الخاص على العام ، لأن التكذيب الأول لما حذف منه المتعلق للتكذيب أفاد العموم ، فمعناه : كذبوا الكتب المنزلة ، والرسل المرسلة ، والمعجزات الواضحة ، وتكذيب الرسل أخص منه ، وإن كان مستلزماً له ، فقد روعيت الدلالة اللفظية لا الدلالة الالتزامية { فَكَيْفَ كَانَ نكير } أي فكيف كان إنكاري لهم بالعذاب والعقوبة ، فليحذر هؤلاء من مثل ذلك . قيل وفي الكلام حذف . والتقدير : فأهلكناهم ، فكيف كان نكير ، والنكير اسم بمعنى : الإنكار .

/خ50