فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَكَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَمَا بَلَغُواْ مِعۡشَارَ مَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ فَكَذَّبُواْ رُسُلِيۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ} (45)

{ وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي من كفار القرون الخالية { وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } أي ما بلغ أهل مكة من مشركي قريش وغيرهم من العرب عشر ما آتينا من قبلهم من القوة والنعمة وكثرة المال والأولاد وطول الأعمار فأهلكهم الله كعاد وثمود وأمثالهم ، ولم تنفعهم قوتهم شيئا في دفع الهلاك عنهم حين كذبوا رسلهم فهؤلاء أولى بأن يحل بهم العذاب لتكذيبهم رسولهم والمعشار لغة في العشر قال الجوهري : معشار الشيء عشره وفي البحر المعشار : مفعال من العشر ولم يبن على هذا الوزن من ألفاظ العدد غيره وغير المرباع .

ومعناهما العشر والربع وقيل : المعشار عشر العشر والأول أولى . قيل : إن المعنى : ما بلغ من قبلهم معشار ما آتينا هؤلاء من البينات والهدى .

وقيل : ما بلغ من قبلهم معشار شكر ما أعطيناهم ، وقيل : ما أعطى الله من قبلهم معشار ما أعطاهم من العلم والبيان والحجة والبرهان ، والأول أولى ، وقيل : المعشار عشر العشير ، والعشير هو عشر العشر ، فيكون جزءا من ألف جزء ، قال الماوردي : وهو الأظهر لأن المراد به المبالغة في التقليل . قلت : مراعاة المبالغة في التقليل لا يسوغ لأجلها الخروج عن المعنى العربي وقال ابن عباس في الآية : يقول من القوة في الدنيا ، وعن ابن جريج نحوه .

{ فَكَذَّبُوا رُسُلِي } عطف على : { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } على طريقة التفسير كقوله : { كذبت قوم نوح فكذبوا عبدنا } الآية والأولى أن يكون من عطف الخاص على العام لأن التكذيب الأول لما حذف منه المتعلق للتكذيب أفاد العموم فمعناه : كذبوا الكتب المنزلة والرسل المرسلة والمعجزات الواضحة وتكذيب الرسل أخص منه وإن كان مستلزما له فقد روعيت الدلالة اللفظية لا الدلالة الالتزامية ، وما بينهما حال أو اعتراض ، وقال البيضاوي : لا تكرير لأن الأول للتكثير ، والثاني للتكذيب ، ونحوه في الكشاف ، وبمثله قال الكرخي .

{ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ؟ } أي فكيف كان إنكاري لهم بالعذاب والعقوبة ؟ فليحذر هؤلاء من مثل ذلك ، قيل والتقدير فأهلكناهم فكيف نكيري ، والنكير اسم بمعنى الإنكار .