معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِي لِمُسۡتَقَرّٖ لَّهَاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (38)

قوله تعالى : { والشمس تجري لمستقر لها } أي : إلى مستقر لها ، قيل : إلى انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا وقيام الساعة . وقيل : إنها تسير حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها ، ثم ترجع فذلك مستقرها ؛ لأنها لا تجاوزها . وقيل : مستقرها نهاية ارتفاعها في السماء في الصيف ، ونهاية هبوطها في الشتاء ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : مستقرها تحت العرش .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن اسماعيل ، حدثنا الحميدي ، أنبأنا وكيع عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه عن أبي ذر قال : " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل : { والشمس تجري لمستقر لها } قال : مستقرها تحت العرش " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا الحميدي ، أنبأنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي ذر قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس : أتدري أين تذهب ؟قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ، فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها ، وتستأذن فلا يؤذن لها ، فيقال لها : ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها ، فذلك قوله تعالى : { والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم } وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس : { والشمس تجري لا مستقر لها } وهي قراءة ابن مسعود ، أي : لا قرار لها ولا وقوف . فهي جارية أبداً

{ ذلك تقدير العزيز العليم } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِي لِمُسۡتَقَرّٖ لَّهَاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (38)

وقوله : { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } ، في معنى قوله : { لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } قولان :

أحدهما : أن المراد : مستقرها المكاني ، وهو تحت العرش مما يلي الأرض في ذلك الجانب ، وهي أينما كانت فهي تحت العرش وجميع المخلوقات ؛ لأنه سقفها ، وليس بكرة كما يزعمه كثير من أرباب الهيئة ، وإنما هو قبة ذات قوائم تحمله الملائكة ، وهو فوق العالم مما يلي رؤوس الناس ، فالشمس إذا كانت في قبة الفلك وقت الظهيرة تكون أقرب ما تكون من العرش ، فإذا استدارت في فلكها الرابع إلى مقابلة هذا المقام ، وهو وقت نصف الليل ، صارت أبعد ما تكون من العرش ، فحينئذ تسجد وتستأذن في الطلوع ، كما جاءت بذلك الأحاديث .

قال البخاري : حدثنا أبو نُعَيْم ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم [ التيمي ] ، {[24738]} عن أبيه ، عن أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس ، فقال : «يا أبا ذر ، أتدري أين تغربُ الشمس ؟ » قلت : الله ورسوله أعلم . قال : «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش » ، فذلك قوله : { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } .

حدثنا عبد الله بن الزبير الحُميديّ ، حدثنا وَكِيع عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله : { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } ، قال : " مستقرها تحت العرش " . {[24739]}

كذا أورده هاهنا . وقد أخرجه في أماكن متعددة{[24740]} ، ورواه بقية الجماعة إلا ابن ماجه ، من طرق ، عن الأعمش ، به . {[24741]}

وقال{[24742]} الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين وجبت الشمس ، فقال : «يا أبا ذر ، أتدري أين تذهب الشمس ؟ » قلت : الله ورسوله أعلم . قال : «فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عز وجل ، فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها ، وكأنها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت » . فترجع إلى مطلعها ، وذلك مستقرها ، ثم قرأ : { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا }{[24743]}

وقال سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس : «أتدري أين هذا ؟ » قلت : الله ورسوله أعلم . قال : «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ، فتستأذن فيؤذن لها ، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها ، وتستأذن فلا يؤذن لها ، ويقال لها : ارجعي من حيث جئت . فتطلع من مغربها » ، فذلك قوله : { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }{[24744]} . وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، عن أبي إسحاق ، عن وهب بن جابر ، عن عبد الله بن عمرو قال في قوله : { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } ، قال : إن الشمس تطلع فتردها ذنوب بني آدم ، حتى إذا غربت سلَّمت وسجدت واستأذنت فيؤذن لها ، حتى إذا كان يوم غربت فسلمت وسجدت ، واستأذنت فلا يؤذن لها ، فتقول : إن المسير بعيد وإني إلا يؤذن لي لا أبلغ ، فتحبس ما شاء الله أن تحبس ، ثم يقال لها : " اطلعي من حيث غربت " . قال : " فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفسًا إيمانها ، لم تكن آمنت من قبل ، أو كسبت في إيمانها خيرًا " . {[24745]}

وقيل : المراد بقوله : { لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } هو انتهاء سيرها وهو غاية ارتفاعها في السماء في الصيف وهو أوجها ، ثم غاية انخفاضها في الشتاء وهو الحضيض .

والقول الثاني : أن المراد بمستقرها هو : منتهى سيرها ، وهو يوم القيامة ، يبطل سيرها وتسكن حركتها وتكور ، وينتهي هذا العالم إلى غايته ، وهذا هو مستقرها الزماني .

قال قتادة : { لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } أي : لوقتها ولأجل لا تعدوه .

وقيل : المراد : أنها لا تزال تنتقل في مطالعها الصيفية إلى مدة لا تزيد عليها ، يروى هذا عن عبد الله بن عمرو .

وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس : " وَالشَّمْسُ تَجْرِي لا مُسْتَقَرَّ لَهَا " أي : لا قرار لها ولا سكون ، بل هي سائرة ليلا ونهارًا ، لا تفتر ولا تقف . كما قال تعالى : { وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ } [ إبراهيم : 33 ] أي : لا يفتران ولا يقفان إلى يوم القيامة .

{ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ } أي : الذي لا يخالَف ولا يُمانَع ، { الْعَلِيم } بجميع الحركات والسكنات ، وقد قدر ذلك وقَنَّنَه على منوال لا اختلاف فيه ولا تعاكس ، كما قال تعالى : { فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } [ الأنعام : 96 ] . وهكذا ختم آية{[24746]} حم السجدة " بقوله : { ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } [ فصلت : 12 ] .


[24738]:- زيادة من ت، س، أ.
[24739]:- صحيح البخاري برقم (4802، 4803).
[24740]:- صحيح البخاري برقم (3199، 7424، 7433).
[24741]:- صحيح مسلم برقم (159) وسنن أبي داود برقم (4002) وسنن الترمذي برقم (3227) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11430).
[24742]:- في ت : "وروى".
[24743]:- المسند (5/152).
[24744]:- في ت : "واسالنا"
[24745]:- تفسير عبد الرزاق (2/115) ورواه أبو الشيخ في العظمة برقم (628) من طريق عبد الرزاق.
[24746]:- في ت : "ختم آخر آية".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِي لِمُسۡتَقَرّٖ لَّهَاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (38)

قوله تعالى : { والشّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرّ لَهَا } يقول تعالى ذكره : والشمس تجري لموضع قرارها ، بمعنى : إلى موضع قرارها وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر الرواية بذلك :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذرّ الغفاريّ ، قال : كنت جالسا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم في المسجد ، فلما غَرَبت الشمس ، قال : «يا أبا ذَرّ هَلْ تَدْرِي أيْنَ تَذْهَبُ الشّمْسُ ؟ » قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : «فإنها تذهب فتسجد بَينَ يَدَيْ رَبّها ، ثُمّ تَسْتأذِنُ بالرّجُوعِ فَيُؤْذَنُ لَهَا ، وكأنّها قَدْ قِيلَ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ ، فَتَطْلُعَ مِنْ مَكانِهَا ، وَذلكَ مُسْتَقَرّها » .

وقال بعضهم في ذلك بما : حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { والشّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرّ لَهَا }قال : وقت واحد لا تعدوه .

وقال آخرون : معنى ذلك : تجري لمجرى لها إلى مقادير مواضعها ، بمعنى : أنها تجري إلى أبعد منازلها في الغروب ، ثم ترجع ولا تجاوزه . قالوا : وذلك أنها لا تزال تتقدّم كل ليلة حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها ثم ترجع .

وقوله : ذلكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ يقول : هذا الذي وصفنا من جري الشمس لمستقرّ لها ، تقدير العزيز في انتقامه من أعدائه ، العليم بمصالح خلقه ، وغير ذلك من الأشياء كلها ، لا يخفى عليه خافية .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِي لِمُسۡتَقَرّٖ لَّهَاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (38)

{ والشمس تجري لمستقر لها } : لحد معين ينتهي إليه دورها ، فشبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره ، أو لكبد السماء فإن حركتها فيه يوجد فيها بطء بحيث يظن أن لها هناك وقفة قال :

*** والشمس حيرى لها بالجو تدويم ***

أو لاستقرار لها على نهج مخصوص ، أو لمنتهى مقدر لكل يوم من المشارق والمغارب ، فإن لها في دورها ثلاثمائة وستين مشرقا ومغربا ، تطلع كل يوم من مطلع وتغرب من مغرب ثم لا تعود إليها إلى العام القابل ، أو لمنقطع جريها عند خراب العالم . وقرئ { لا مستقر لها } أي :لا سكون فإنها متحركة دائما و " لامستقر " على أن " لا " بمعنى ليس . { ذلك } الجري على هذا التقدير المتضمن للحكم التي تكل الفطن عن إحصائها . { تقدير العزيز } : الغالب بقدرته على كل مقدور . { العليم } : المحيط علمه بكل معلوم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِي لِمُسۡتَقَرّٖ لَّهَاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (38)

و «مستقر الشمس » على ما روي في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق أبي ذؤيب «بين يدي العرش تمجد فيه كل ليلة بعد غروبها »{[1]} ، وفي حديث آخر

«أنها تغرب في عين حمئة ولها ثم وجبة عظيمة » ، وقالت فرقة : مستقرها هو في يوم القيامة حين تكون فهي تجري لذلك المستقر ، وقالت فرقة : مستقرها كناية عن غيوبها ؛ لأنها تجري كل وقت إلى حد محدود تغرب فيه ، وقيل : مستقرها آخر مطالعها في المنقلبين لأنهما نهاية مطالعها فإذا استقر وصولها كرت راجعة ، وإلا فهي لا تستقر عن حركتها طرفة عين ، ونحا إلى هذا ابن قتيبة ، وقالت فرقة : مستقرها وقوفها عند الزوال في كل يوم ، ودليل استقرارها وقوف ظلال الأشياء حينئذ ، وقرأ ابن عباس وابن مسعود وعكرمة ، وعطاء بن أبي رباح وأبو جعفر ومحمد بن علي وجعفر بن محمد ، :{ والشمس تجري لا مستقر لها } .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟