تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِي لِمُسۡتَقَرّٖ لَّهَاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (38)

الآية 38 ثم قوله تعالى : { والشمس تجري لمستقرٍّ لها } وفي بعض الحروف : والشمس تجري لا مستقرّ{[17458]} لها [ فعلى هذا القول أي تجري أبدا ، لا مستقر لها ، ولا قرار . ومن قرأ : { تجري لمستقرّ لها } ]{[17459]} أي لنهاية لها وغاية .

ثم اختُلف في تلك النهاية ، فمنهم من يقول : نهايتها وغايتها هي{[17460]} ذهاب هذا العالم وانقضاؤه وتبديل عالم آخر كقوله : { إذا الشمس كُوّرت } [ التكوير : 1 ] وقوله : { والشمس والقمر بحسبان } [ الرحمان : 5 ] فذلك نهايتها .

ومنهم من يقول : مستقرُّها ، هو نزولها{[17461]} في كل يوم في منزل لما ذكر أن لها منازل{[17462]} ، تنزل كل يوم في منزل ، ثم تطلُع من مكان آخر . وكذلك قال : { والقمر قدّرناه منازل } [ يس : 39 ] .

ومنهم من يقول : نهايتها ما ذُكر في الخبر أنها إذا غربت تُرفع إلى السماء السابعة ، فتخرّ لله ساجدة تحت العرش ، ثم يُؤذن لها بالطلوع ، ذُكر في الخبر عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لما يأذن لها بالطلوع والارتفاع يأتيها جبريل بحُلّة من ضوء العرش على مقدار ساعات النهار في طوله في الصيف ، وقصره في الشتاء وما بين ذلك في الخريف والربيع ، فتلبس تلك الحُلة كما يلبس أحدكم ثوبه ) .

وذُكر في القمر كذلك من الحبس والسجود لله . إلا أنه ذُكر فيه أن جبريل يأتيه بحلّة من نور العرش . وفي بعض الأخبار بكفّ من نوره ، فيلبس تلك الحلّة أو ذلك الضوء والنور كما يلبس أحدكم ثوبه .

فذلك قوله : { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا } [ يونس : 5 ] ذكر للشمس ضياء وللقمر نورا كما ذكر في الخبر .

وقال بعضهم : مستقرّها جريانها في البحر الذي خلق الله دون السماء ، بحر مكفوف جار ، فيه تجري الشمس والقمر والجواري الكُنّس . ويحتمل قوله : { تجري لمستقرّ لها } أي : تجري في مكان ، وتسير فيه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ذلك تقدير العزيز العليم } العزيز : الذي لا يعجزه شيء ، ويعز من أن يغلبه شيء . والعليم : الذي يعز من أن يخفى عليه شيء .

وقال بعضهم : العزيز الذي أظهر أثر الذُّل في غيره ، ولا يرى أحد إلا وأثر الذّل والحاجة فيه ظاهر .


[17458]:انظر معجم القراءات القرآنية ح5/208.
[17459]:من م، ساقطة من الأصل.
[17460]:في الأصل وم: هو.
[17461]:في الأصل وم: نزوله.
[17462]:في الأصل: منزل، وم: منزلا.