قوله تعالى : { ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للذين أشركوا مكانكم } ، أي : الزموا مكانكم ، { أنتم وشركاؤكم } ، يعني : الأوثان ، معناه : ثم نقول للذين أشركوا : الزموا أنتم وشركاؤكم مكانكم ، ولا تبرحوا . " فزيلنا " ميزنا وفرقنا " بينهم " ، أي : بين المشركين وشركائهم ، وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا ، وذلك حين يتبرأ كل معبود من دون اله ممن عبده ، " وقال شركاؤهم " ، يعني : الأصنام ، " ما كنتم إيانا تعبدون " ، بطلبتنا فيقولون : بلى ، كنا نعبدكم .
يقول تعالى : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ } أي : أهل الأرض كلهم ، من إنس وجن{[14206]} وبر وفاجر ، كما قال : { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } [ الكهف : 47 ] .
{ ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ } أي : الزموا أنتم وهم مكانًا معينًا ، امتازوا فيه عن مقام المؤمنين ، كما قال تعالى : { وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ } [ يس : 59 ] ، وقال { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } [ الروم : 14 ] ، وفي الآية الأخرى : { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } [ الروم : 43 ] أي : يصيرون صِدعين ، وهذا يكون إذا جاء الرب تعالى لفصل القضاء ؛ ولهذا قيل : ذلك{[14207]} يستشفع المؤمنون إلى الله تعالى أن يأتي لفصل القضاء ويريحنا من مقامنا هذا ، وفي الحديث الآخر : " نحن يوم القيامة على كَوْم فوق الناس . {[14208]} -{[14209]}
وقال الله تعالى في هذه الآية الكريمة إخبارًا عما يأمر به المشركين{[14210]} وأوثانهم يوم القيامة : { مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } أنكروا عبادتهم ، وتبرءوا منهم ، كما قال تعالى : { [ كَلا ] سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } الآية . [ مريم : 82 ] {[14211]} . وقال : { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا } [ البقرة : 166 ] ، وقال { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [ الأحقاف : 5 ، 6 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمّ نَقُولُ لِلّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مّا كُنتُمْ إِيّانَا تَعْبُدُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ويوم نجمع الخلق لموقف الحساب جميعا ، ثم نقول حينئذ للذين أشركوا بالله الاَلهة والأنداد : مكانكم أي امكثوا مكانكم ، وقفوا في موضعكم أنتم أيها المشركون ، وشركاؤكم الذين كنتم تعبدونهم من دون الله من الاَلهة والأوثان . فَزَيّلْنا بَيْنَهُمْ يقول : ففرّقنا بين المشركين بالله وما أشركوه به وبين غيره وأبنته منه . وقال : «فزيلنا » إرادة تكثير الفعل وتكريره . ولم يقل : «فزلنا بينهم » . وقد ذُكر عن بعضهم أنه كان يقرؤه : «فزايلنا بينهم » ، كما قيل : وَلا تُصعّرْ خَدّكَ و«لا تصاعر خدّك » ، والعرب تفعل ذلك كثيرا في فعلت ، يلحقون فيها أحيانا ألفا مكان التشديد ، فيقولون : فاعلت إذا كان الفعل لواحد . وأما إذا كان لاثنين فلا تكاد تقول إلا فاعلت . وقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ أيّانا تَعْبُدُونَ وذلك حين تَبرّأ الّذِينِ اتّبِعُوا مِنَ الّذِينَ اتّبَعُوا وَرَأوُا الْعَذَابَ وَتَقَطّعَتْ بِهِمُ الأسبابُ لما قيل للمشركين اتبعوا ما كنتم تعبدون من دون الله ، ونصبت لهم آلهتهم ، قالوا : كنا نعبد هؤلاء ، فقالت الاَلهة لهم : ما كنتم إيانا تعبدون . كما :
حُدثت عن مسلم بن خالد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : يكون يوم القيامة ساعة فيها شدّة تنصب لهم الاَلهة التي كانوا يعبدون ، فيقال : هؤلاء الذين كنتم تعبدون من دون الله ، فتقول الاَلهة : والله ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل ولا نعلم أنكم كنتم تعبدوننا فيقولون : والله لإياكم كنا نعبد فتقول لهم الاَلهة : فَكَفى بِاللّهِ شَهِيدا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إنْ كُنّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعا ثُمّ نَقُولُ للّذِينَ أشْرَكُوا مَكانَكُمْ أنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُم فَزَيّلْنا بَيْنَهُمْ قال : فرّقنا بينهم . وَقالَ شُركاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إيّانا تَعْبُدُونَ قالوا : بلى قد كنا نعبدكم ، ( ف ) قالوا كَفَى باللّهِ شَهِيدا بَيْنَنا وبَيْنَكُمْ إنْ كُنّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نتكلم . فقال الله : هُنالك تَبْلُو كُلّ نَفْس ما أسْلَفَتْ . . . الآية .
ورُوي عن مجاهد ، أنه كان يتأوّل الحشر في هذا الموضع : الموت .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، قال : سمعتهم يذكرون عن مجاهد ، في قوله : وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعا قال : الحشر : الموت .
والذي قلنا في ذلك أولى بتأويله لأن الله تعالى ذكره أخبر أنه يقول يومئذ للذين أشركوا ما ذكر أنه يقول لهم ، ومعلوم أن ذلك غير كائن في القبر ، وأنه إنما هو خبر عما يقال لهم ويقولون في الموقف بعد البعث .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.