فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَيَوۡمَ نَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ مَكَانَكُمۡ أَنتُمۡ وَشُرَكَآؤُكُمۡۚ فَزَيَّلۡنَا بَيۡنَهُمۡۖ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمۡ إِيَّانَا تَعۡبُدُونَ} (28)

{ ويوم نحشرهم جميعا } الحشر الجمع من كل جانب وناحية إلى موضع واحد وقال مجاهد : الحشر الموت ويوم منصوب على المفعولية بمضمر أي أنذرهم يوم نحشرهم لموقف الحساب والجملة مستأنفة لبيان بعض أحوالهم القبيحة والمعنى أن الله سبحانه يحشر العابد والمعبود لسؤالهم يوم القيامة .

{ ثم نقول } في حالة الحشر ووقت الجمع { للذين أشركوا } تقريعا لهم على رؤوس الإشهاد وتوبيخا لهم مع حضور من يشاركهم في العبادة وحضور معبوداتهم { مكانكم } أي ألزموا مكانكم وأثبتوا فيه وقفوا في موضعكم ولا تنفكوا منه ولا تبرحوا عنه حتى تسألوا وتنظروا ما يفعل بكم ونصب مكانكم على أنه في الأصل ظرف لفعل أقيم مقامه لا على أنه اسم فعل وحركته حركة بناء كما هو رأي الفارسي ، قاله أبو السعود .

قال الخفاجي : وهذا كله تكلف ، قال الدماميني : لا أدري ما الداعي إلى جعل هذا الظرف اسم فعل إما لازما وإما متعديا وهلا جعلوه ظرفا على بابه ولم يخرجوه عن أصله أي اثبت مكانك انتهى وفيه بحث .

والضمير في قوله { أنتم } تأكيد للضمير الذي في مكانكم لسده مسد ألزموا { وشركائكم } عطف عليه وقرئ بالنصب على المفعول معه ، وفي هذا وعيد وتهديد للعابدين والمعبودين والمراد بالشركاء هنا الملائكة وقيل الشياطين وقيل الأصنام وأن الله سبحانه ينطقها في هذا الوقت وقيل المسيح وعزير والظاهر أنه كل معبود للمشركين كائنا ما كان .

{ فزيلنا } أي فرقنا وقطعنا ما كان { بينهم } من التواصل في الدنيا يقال زيلته فتزيل أي فرقته فتفرق ، والمزايلة المفارقة والتزايل التباين ، قال السيوطي : ميزنا بينهم وبين المؤمنين كما في آية { وامتازوا اليوم أيها المجرمون } انتهى وفيه مسامحة .

قال القرطبي : هذا التفسير بعيد من سابقه ولاحقه إذ هما في الكلام على المشركين ومعبوداتهم فالأولى القول الآخر الذي جرى عليه غيره كالبيضاوي والخازن ونص الخطيب : بينهم أي بين المشركين وشركائهم وذلك حين يتبرأ كل معبود عمن عبده وهذا أنسب بقوله .

{ وقال شركاؤهم } الذين عبدوهم وجعلوهم شركاء لله سبحانه وإنما أضاف الشركاء إليهم مع أنهم جعلوهم شركاء لله سبحانه لكونهم جعلوا لهم نصيبا من أموالهم فهم شركاؤهم في أموالهم من هذه الحيثية وقيل لكونهم شركاؤهم في هذا الخطاب والإضافة لأدنى ملابسة .

{ ما كنتم إيانا تعبدون } في الحقيقة ونفس الأمر وإنما عبدتم هواكم وضلالكم وشياطينكم الذين أغووكم ، لأنها الآمرة لكم بالإشراك على حد قوله { قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم } الآية وهذا الجحد من الشركاء وإن كان مخالفا لما قد وقع من المشركين من عبادتهم فمعناه إنكار عبادتهم إياهم عن أمرهم لهم بالعبادة وتقديم المفعول للفاصلة .