الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَيَوۡمَ نَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ مَكَانَكُمۡ أَنتُمۡ وَشُرَكَآؤُكُمۡۚ فَزَيَّلۡنَا بَيۡنَهُمۡۖ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمۡ إِيَّانَا تَعۡبُدُونَ} (28)

و{ مَكَانَكُمْ } [ يونس : 28 ] اسم فعلِ الأَمْرِ ، ومعناه : قِفُوا واسكنوا

( ت ) : قال ( ص ) : ( وقدِّر ب«اثبتوا » وأما من قدَّره ب«الزموا مكانَكُمْ » ، فمردودٌ ، لأن «الزموا » متعدٍّ ، وَ{ مَكَانَكُمْ } : لا يتعدَّى ، فلا يقدَّر به ، وإلا لكان متعدياً ، واسم الفعل عَلَى حَسَب الفعلِ ، إِنْ متعدياً فمتعدٍّ ، وإِنْ لازماً فلازِمٌ ، ثم اعتذر بأنه يمكن أن يكون تقديره ب«الزموا » تقديرَ معنًى ، لا تقديرَ إِعرابٍ ، فلا اعتراض ) ، انتهى .

قال ( ع ) : ( فأخبر سبحانَهُ عن حالةٍ تكُونُ لعبدة الأوثانِ يوم القيامة يُؤْمَرُوْنَ بالإِقامة في موقف الخِزْيِ مع أصنامهم ، ثم يُنْطِقُ اللَّه شركاءهم بالتبريِّ منهم ) .

وقوله : { فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } : معناه : فرَّقنا في الحُجَّةِ ، والمذهب ، روي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّ الكُفَّار ، إِذَا رَأَوا العَذَابَ ، وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ، قِيلَ لَهُمُ : اتَّبِعُوا مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ، فَيَقُولُونَ : كُنَّا نَعْبُدُ هَؤُلاَءِ ، فَتَقُولُ الأَصْنَامُ : وَاللَّهِ ، مَا كُنَّا نَسْمَعُ ، وَلاَ نَعْقِلُ ، وَمَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تعْبُدُونَ ، فَيَقُولُونَ : واللَّهِ ، لإِيَّاكُمْ كُنَّا نَعْبُد ، فَتَقُولُ الآلِهَةُ : { فكفى بالله شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } [ يونس : 29 ] ، وظاهر الآية أنَّ محاورتهم إِنما هي مَعَ الأصنام دون المَلاَئِكَةِ وَعِيسَى ؛ بدليل القوْلِ لهم : { مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ } [ يونس : 28 ] ودون فِرْعَونَ ومَنْ عُبِدَ من الجنِّ ؛ بدليل قولهم : { إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لغافلين } [ يونس : 29 ] و«إنْ » هذه عند سيبَوَيْه المخَفَّفَةُ من الثقيلة موجبَةٌ ، ولزمتها اللام ، فرقاً بينها وبين «إِنِ » النافيةِ ، وعندَ الفَرَّاء : «إِنْ » نافيةٌ بمعنَى «مَا » ، واللامُ بمعنى «إِلاَّ » ،