معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ} (137)

قوله تعالى : { قد خلت من قبلكم سنن } . قال عطاء : شرائع ، وقال الكلبي :مضت لكل أمة سنة ومنهاج إذا اتبعوها رضي الله عنهم ، وقال مجاهد ( قد خلت من قبلكم سنن ) بالهلاك فيمن كذب قبلكم ، وقيل : سنن أي أمم والسنة : الأمة .

قال الشاعر :

ما عاين الناس من فضل كفضلكم *** ولا رأوا مثلكم في سالف السنن

وقيل معناه : أهل السنن ، والسنة الطريقة المتبعة في الخير والشر ، يقال : سن فلان سنة حسنة وسنة سيئة إذا عمل عملاً اقتدى به من خير وشر . ومعنى الآية : قد مضت وسلفت مني سنن فيمن كان قبلكم من الأمم الماضية الكافرة بإمهالي واستدراجي إياهم حتى يبلغ الكتاب فيهم أجلي الذي أجلته لإهلاكهم وإدالة أنبيائي عليهم .

قوله تعالى : { فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } . أي : آخر أمر المكذبين ، وهذا في حرب أحد ، يقول الله عز وجل : فأنا أمهلهم وأستدرجهم حتى يبلغ أجلي الذي أجلته في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم وأوليائه وإهلاك أعدائه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ} (137)

يقول تعالى مخاطبا عباده{[5772]} المؤمنين الذين أُصِيبوا يومَ أُحُد ، وقُتِل منهم سبعون : { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } أي : قد جرى نحو هذا على الأمم الذين كانوا من قبلكم من أتباع الأنبياء ، ثم كانت العاقبة لهم والدائرة على الكافرين ؛ ولهذا قال : { فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } .


[5772]:في أ: "لعباده".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ} (137)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ }

يعني بقوله تعالى ذكره : { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } مضت وسلفت مني فيمن كان قبلكم يا معشر أصحاب محمد وأهل الإيمان به ، من نحو قوم عاد وثمود ، وقوم هود ، وقوم لوط وغيرهم من سُلاف الأمم قبلكم سنن ، يعني ثلاث سير بها فيهم وفيمن كذبوا به من أنبيائهم الذين أرسلوا إليهم ، بإمهالي أهل التكذيب بهم ، واستدراجي إياهم ، حتى بلغ الكتاب فيهم أجله الذي أجلته لإدالة أنبيائهم وأهل الإيمان بهم عليهم ، ثم أحللت بهم عقوبتي ، ونزلت بساحتهم نقمتي ، فتركتهم لمن بعدهم أمثالاً وعبرا . { فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذّبِينَ } يقول : فسيروا أيها الظانون أن إدالتي من أدلت من أهل الشرك يوم أُحد على محمد وأصحابه لغير استدراج مني لمن أشرك بي ، وكفر برسلي ، وخالف أمري في ديار الأمم الذين كانوا قبلكم ، ممن كان على مثل الذي عليه هؤلاء المكذّبون برسولي ، والجاحدون وحدانيتي ، فانظروا كيف كان عاقبة تكذيبهم أنبيائي ، وما الذي آل إليه عن خلافهم أمري ، وإنكارهم وحدانيتي ، فتعلموا عند ذلك أن إدالتي من أدلت من المشركين على نبي محمد وأصحابه بأحد ، إنما هي استدراج وإمهال ، ليبلغ الكتاب أجله الذي أجلت لهم ، ثم إما أن يئول حالهم إلى مثل ما آل إليه حال الأمم الذين سلفوا قبلهم من تعجيل العقوبة عليهم ، أو ينيبوا إلى طاعتي واتباع رسولي .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا عباد ، عن الحسن في قوله : { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عَاقِبَةُ المُكَذّبين } فقال : ألم تسيروا في الأرض ، فتنظروا كيف عذّب الله قوم نوح ، وقوم لوط ، وقوم صالح ، والأمم التي عذب الله عزّ وجلّ ؟

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } يقول : في الكفار والمؤمنين ، والخير والشر .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } في المؤمنين والكفار .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : استقبل ذكر المصيبة التي نزلت بهم يعني بالمسلمين يوم أحد والبلاء الذي أصابهم ، والتمحيص لما كان فيهم ، واتخاذه الشهداء منهم ، فقال تعزية لهم ، وتعريفا لهم فيما صنعوا وما هو صانع بهم : { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا في الأرْضِ فانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عاقِبَةُ المُكذّبِينَ } أي قد مضت مني وقائع نقمة في أهل التكذيب لرسلي والشرك بي : عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين ، فسيروا في الأرض تروا مُثلات قد مضت فيهم ، ولمن كان على مثل ما هم عليه من ذلك مني ، وإن أمكنت لهم : أي لئلا يظنوا أن نقمتي انقطعت عن عدوّهم وعدّوي للدولة التي أدلتها عليكم بها¹ لأبتليكم بذلك ، لأعلم ما عندكم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا في الأرْضِ فانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُكذّبِينَ } يقول : متعهم في الدنيا قليلاً ، ثم صيرهم إلى النار .

وأما السنن ، فإنها جمع سُنّة ، والسنّة ، هي المثال المتبع ، والإمام الموتمّ به ، يقال منه : سنّ فلان فينا سنة خمسة ، وسنّ سنة سيئة : إذا عمل عملاً اتبع عليه من خير وشرّ ، ومنه قول لبيد ابن ربيعة :

مِنْ مَعْشَرٍ سَنّتْ لَهُمْ آباؤُهُمْ *** ولِكُلّ قَوْمٍ سُنّةٌ وإمامُها

وقول سليمان بن قَتّة :

وإنّ الأُلَى بالطّفّ منْ آلِ هاشمٍ *** تَآسَوْا فَسَنّوا للْكِرَامِ التّآسيا

وقال ابن زيد في ذلك ما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } قال : أمثال .