الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ} (137)

قوله تعالى : { مِن قَبْلِكُمْ } : يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ ب " خَلَتْ " ويجوزُ أَنْ يتعلَّق بمحذوفٍ على أنه حالٌ من " سنن " ؛ لأنه في الأصلِ يجوز أَنْ يكونَ وصفاً فلمَّا قُدِّم نُصِبَ حالاً .

والسُّنَنُ : جمع " سُنَّة " وهي الطريقةُ التي يكونُ عليها الإِنسانُ ويلازِمُها ، ومنه " سنة الأنبياء " عليهم السلام . قال خالد الهذلي لخاله أبي ذؤيب :

فلا تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةٍ أنت سِرْتَها *** فَأَوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يَسيرُها

وقال أخر :

وإنَّ الأُلَى بالطَّفِّ مِنْ آلِ هاشمٍ *** تَأَسَّوا فَسَنُّوا للكرامِ التآسِيا

وقال لبيد :

مِنْ أمةٍ سَنَّتْ لهم آباؤُهم *** ولكلِّ قومٍ سُنَّةٌ وإمامُها

وقال المفضل : " السُّنَّةُ الأُمَّة " ، وأنشد :

ما عايَنَ الناسُ مِنْ فضلٍ كفضلكمُ *** ولا رُئِيْ مثلُه في سائِرِ السُّنَنِ

ولا دليلَ فيه لاحتمالِه . وقال الخليل : " سَنَّ الشيءَ بمعنى صَوَّره " . ومنه :

{ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } [ الحجر : 26 ] أي : مُصَوَّر . وقيل : سَنَّ الماءَ والدرع إذا صَبَّهما ، وقوله : { مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } يجوزُ أَنْ يكونَ منه ، ولكنَّ نسبةَ الصبِّ إلى الطين بعيدةٌ . وقيل " مَسْنون " أي متغير . قال بعض أهل اللغة : " هي فُعْلَة من سَنَّ الماءَ يَسُنُّه إذا والى صَبَّه . والسَّنُّ : صَبُّ الماءِ والعرق ونحوهما ، وأنشدَ لزهيرٍ :

نُعَوِّدها الطِّرادَ فكلَّ يومٍ *** تُسَنُّ على سنابِكها القُرونُ

أي : يُصَبُّ عليها العرقُ . وقيل : سُنَّة : فُعْلَة بمعنى مفعول كالغُرْفَة والأُكْلَة . وقيل : اشتقاقُها من سَنَنْتُ النَّصْلَ أَسُنُّه سَنَّاً إذا حَدَدْتَه ، والمعنى أن الطريقة الحسنة معتنىً بها كما يُعْتنى بالنصل ونحوه . وقيل : مِنْ سَنَّ الإِبلَ : أذا أحسن رَعْيَها . والمعنى : أَنَّ صاحبَ السنة يقومُ على أصحابهِ كما يقومُ الراعي على إبلِه ، وقد مَضَى مِنْ ذلك جملةٌ صالحةٌ في البقرة .

وقوله : { فَسِيرُواْ } جملةٌ معطوفةٌ على ما قبلَها . والتسبيبُ في هذه الألفاظِ ظاهرٌ أي : سَبَبُ الأمرِ بالسير لينظُروا نَظَرَ اعتبارٍ خُلُوُّ مَنْ قبلكم من الأمم وطرائقهم . وقال أَبو البقاء : " ودَخَلَتِ الفاء في " فسيروا " / لأنَّ المعنى على الشرطِ أي : إن شَكَكْتُم فسيروا .

قوله : { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ } " كيف " خبرٌ مقدم واجبُ التقديم ؛ لتضمُّنِه معنى الاستفهامِ وهو مُعَلِّقٌ ل " انظروا " قبلَه ، فالجملةُ في محل نصبٍ بعد إسقاطِ الخافضِ إذ الأصل : انظروا في كذا .