غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ} (137)

130

ثم ذكر ما يحمل المكلفين على فعل الطاعة وعلى التوبة من المعصية وهو تأمل أحوال القرون الخالية فقال : { قد خلت من قبلكم سنن } وأصل الخلو الانفراد ، والمكان الخالي هو المنفرد عمن يسكن فيه ، وكل ما انقرض ومضى فقد انفرد عن الوجود ، والسنة الطريقة المستقيمة . والمثال المتبع وهي " فعلة " بمعنى " مفعولة " من سن الماء يسنه إذا والى صبه فكأنه أجراه على نهج واحد ، أو من سننت النصل أحددته ، أو من سن الإبل إذا أحسن الرعي . والمراد قد مضت من قبلكم سنن الله تعالى في الأمم السالفة يعني سنن الهلاك والاستئصال بدليل قوله : { فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } فإنهم خالفوا رسلهم للحرص على الدنيا وطلب لذاتها ، ثم انقرضوا ولم يبق من دنياهم أثر وبقي عليهم اللعن في الدنيا والعقاب في الآخرة هذا قول أكثر المفسرين .

قال مجاهد : المراد سنن الله في الكافرين والمؤمنين فإن الدنيا ما بقيت لا مع المؤمن ولا مع الكافر ، ولكن المؤمن بقي له الثناء الجميل والثواب الجزيل والكافر له اللعن والعقاب . ثم قال { فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } لأن التأمل في حال أحد القسمين يكفي في معرفة حال القسم الآخر ، أو لأن الغرض زجر الكفار عن كفرهم وذلك إنما يحصل بتأمل أحوال أمثالهم وليس المراد من قوله { فسيروا في الأرض } الأمر بالسير بل المقصود تعرّف أحوالهم . فإن حصلت هذه المعرفة بغير المسير في الأرض كان المقصود حاصلاً . ولا يبعد أن يقال : ندب إلى السير لأن لمشاهدة آثار الأقدمين أثراً أقوى من أثر السماع كما قيل :

إن آثارنا تدل علينا *** فانظروا بعدنا إلى الآثار

{ هذا بيان } المشار إليه بهذا إما أن يكون جميع ما تقدم من الأمر والنهي والوعد والوعيد للمتقين والتائبين والمصرين ويكون قوله : { قد خلت } جملة معترضة للبعث على الإيمان وما يستحق من الأجر ، وإما أن يكون ما حثهم عليه من النظر في سوء عواقب المكذبين ومن الاعتبار بما يعاينون من آثار هلاكهم .

/خ141