ثم ذكر ما يحمل المكلفين على فعل الطاعة وعلى التوبة من المعصية وهو تأمل أحوال القرون الخالية فقال : { قد خلت من قبلكم سنن } وأصل الخلو الانفراد ، والمكان الخالي هو المنفرد عمن يسكن فيه ، وكل ما انقرض ومضى فقد انفرد عن الوجود ، والسنة الطريقة المستقيمة . والمثال المتبع وهي " فعلة " بمعنى " مفعولة " من سن الماء يسنه إذا والى صبه فكأنه أجراه على نهج واحد ، أو من سننت النصل أحددته ، أو من سن الإبل إذا أحسن الرعي . والمراد قد مضت من قبلكم سنن الله تعالى في الأمم السالفة يعني سنن الهلاك والاستئصال بدليل قوله : { فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } فإنهم خالفوا رسلهم للحرص على الدنيا وطلب لذاتها ، ثم انقرضوا ولم يبق من دنياهم أثر وبقي عليهم اللعن في الدنيا والعقاب في الآخرة هذا قول أكثر المفسرين .
قال مجاهد : المراد سنن الله في الكافرين والمؤمنين فإن الدنيا ما بقيت لا مع المؤمن ولا مع الكافر ، ولكن المؤمن بقي له الثناء الجميل والثواب الجزيل والكافر له اللعن والعقاب . ثم قال { فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } لأن التأمل في حال أحد القسمين يكفي في معرفة حال القسم الآخر ، أو لأن الغرض زجر الكفار عن كفرهم وذلك إنما يحصل بتأمل أحوال أمثالهم وليس المراد من قوله { فسيروا في الأرض } الأمر بالسير بل المقصود تعرّف أحوالهم . فإن حصلت هذه المعرفة بغير المسير في الأرض كان المقصود حاصلاً . ولا يبعد أن يقال : ندب إلى السير لأن لمشاهدة آثار الأقدمين أثراً أقوى من أثر السماع كما قيل :
إن آثارنا تدل علينا *** فانظروا بعدنا إلى الآثار
{ هذا بيان } المشار إليه بهذا إما أن يكون جميع ما تقدم من الأمر والنهي والوعد والوعيد للمتقين والتائبين والمصرين ويكون قوله : { قد خلت } جملة معترضة للبعث على الإيمان وما يستحق من الأجر ، وإما أن يكون ما حثهم عليه من النظر في سوء عواقب المكذبين ومن الاعتبار بما يعاينون من آثار هلاكهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.