البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ} (137)

السنة : الطريقة .

وقال المفضل : الأمة وأنشد :

ما عاين الناس من فضل كفضلكم *** ولا رؤى مثله في سالف السنن

وسنة الإنسان الشيء الذي يعمله ويواليه ، كقول خالد الهذلي لأبي ذؤيب :

فلا تجزعن من سنة أنت سرتها *** فأول راض سنة من يسيرها

وقال سليمان بن قتيبة :

وإن الألى بالطف من آل هاشم *** تأسوا فسنوا للكرام التأسيا

وقال لبيد :

من أمة سنت لهم آباؤهم *** ولكل قوم سنة وإمامها

وقال الخليل : سن الشيء صورة .

والمسنون المصور ، وسن عليهم شراً صبه ، والماء والدرع صبهما .

واشتقاق السنة يجوز أن يكون من أحد هذين المعنيين ، أو من سن السنان والنصل حدهما على المسن ، أو من سن الإبل إذا أحسن رعيها .

السير في الأرض : الذهاب .

{ قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } الخطاب للمؤمنين ، والمعنى : أنه إنْ ظهر عليكم الكفار يوم أحد فإن حسن العاقبة للمتقين ، وإنْ أديل الكفار فالعاقبة للمؤمنين .

وكذلكم كفاركم هؤلاء عاقبتهم إلى الهلاك .

وقال النقاش : الخطاب للكفار لقوله بعد { ولا تهنوا } ولما ذكر تعالى الجمل المعترضة في قصة أحد عاد إلى كمالها ، فخاطبهم بأنه إنْ وقعت إدالة الكفار فالعاقبة للمؤمنين .

والمعنى : قد تقدّمت ومضت .

وقال الزجاج : أهل سنن أي طرائق أو أمم ، على شرح المفضل أنّ السنة الأمة .

وقال الحسن : سنة أقضية في إهلاك الأمم السالفة عاد وثمود وغيرهم .

وقال ابن زيد : أمثال .

وقال ابن عباس : وقائع وطلب السير في الأرض ، وإن كانت أحوال من تقدّم تدرك بالأخبار دون السير .

لأن الأخبار إنما تكون ممن سار وعاين ، وعنه ينقل : فطلب منه الوجه الأكمل إذ للمشاهدة أثر أقوى من أثر السماع .

وقيل : السير هنا مجاز عن التفكر ، وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس .

وقال الجمهور : النظر هنا من نظر العين .

وقال قوم : هو بالفكر .

والجملة الاستفهامية في موضع المفعول لانظروا لأنها معلقة وكيف في موضع نصب خبر كان .

والمعنى : ما سنة الله في الأمم المكذبين من وقائعه كما قال تعالى : { فكلاًّ أخذنا بذنبه } { وقتلوا تقتيلاً سنة الله في الذين خلوا من قبل }

وفي هذه الآية دلالة على جواز السفر في فجاج الأرض للاعتبار ، ونظر ما حوت من عجائب مخلوقات الله تعالى ، وزيارة الصالحين وزيارة الأماكن المعظمة كما يفعله سيّاح هذه الملة ، وجواز النظر في كتب المؤرخين لأنها سبيل إلى معرفة سير العالم وما جرى عليهم من المثلاث .

/خ141