فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ} (137)

( قد خلت من قبلكم سنن ) هذا رجوع إلى وصف باقي قصة أحد بعد تمهيد مبادئ الرشد والصلاح تسلية للمؤمنين على ما أصابهم من الحزن والكآبة ، وأصل الخلو في اللغة الانفراد ، والمكان الخالي هو المنفرد عمن فيه ، ويستعمل أيضا في الزمان بمعنى المضي ، لأن ما مضى انفرد عن الوجود وخلا عنه . وكذا الأمم الخالية .

والمراد بالسنن ما سنه الله في الأمم الماضية من وقائعه ، أي قد خلت من قبل في زمانكم وقائع سنها الله في الأمم المكذبة بالهلاك والاستئصال لأجل مخالفتهم الأنبياء . وأصل السنن جمع السنة ، وهي الطريقة المستقيمة والعادة ، والسنة الإمام المتبع المؤتم به ، والسنة الأمة والسنن الأمم قاله المفضل الضبي ، وقال الزجاج : أهل سنن فحذف المضاف ، قال مجاهد : قد خلت سنن تداول من الكفار والمؤمنين في الخير والشر .

( فسيروا ) أيها المؤمنون ( في الأرض ) والمطلوب من هذا السير المأمور به هو حصول المعرفة بذلك ، فإن حصلت بدونه فقد حصل المقصود ، وإن كان لمشاهدة الآثار زيادة غير حاصلة لمن لم يشاهدها ، والأمر للندب لا على سبيل الوجوب ( فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) فإنهم خالفوا رسلهم بالحرص على الدنيا ثم انقرضوا فلم يبق من دنياهم التي آثروها أثر .

هذا قول أكثر المفسرين ، والعاقبة آخر الأمور ، رغبهم في تأمل أحوال الأمم الماضية ليصير ذلك داعيا لهم إلى الإيمان بالله ورسوله والإعراض عن الدنيا ولذاتها لأن النظر إلى آثار المتقدمين له أثر في النفس ، وفي هذه الآية تسلية لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما جرى لهم في غزوة احد .