لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ} (137)

قوله عز وجل : { قد خلت من قبلكم سنن } يعني قد انقضت من قبلكم سنة الله في الأمم الماضية بالهلاك والاستئصال ، لأنهم خالفوا الأنبياء والرسل للحرص على الدنيا وطلب لذاتها والبقاء فيها ، فانقرضوا ولم يبق منهم أحد ، وقيل في معنى السنة : الطريقة المستقيمة والمثال المتبع . لكل أمة سنة ومنهاج إذا اتبعوه رضي الله عنهم بذلك . وقيل سنن أي شرائع ، وقيل سنن أي أمم ، والسنة الأمة ، ومعنى الآية : قد مضت وسلفت مني سنن فيمن كان قبلكم من الأمم الماضية الكافرة بإمهالي واستدراجي إياهم ، حتى يبلغ الكتاب أجله فيهم الذي أجلته لإهلاكهم { فسيروا في الأرض } أمر ندب لا على سبيل الوجوب بل المقصود تعرف أحوال الأمم الماضين بقوله { فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } فرغب أمة محمد صلى الله عليه وسلم في تأمل أحوال الأمم الماضية ، ليصير ذلك داعياً لهم إلى الإيمان بالله ورسوله والإعراض عن الدنيا ولذاتها . وفيه أيضاً زجر للكافر عن كفره ، لأنه إذا تأمل أحوال الكفار وإهلاكهم صار ذلك داعياً إلى الإيمان ، لأن النظر إلى آثار المتقدمين له أثر في النفس كما قيل :

إن آثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا إلى الآثار

وفي هذه الآية تسلية لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جرى لهم في غزوة أحد يقول فإني إنما أمهلت الكفار حتى يبلغ الكتاب أجله فيهم الذي أجلته لهم في إهلاكهم ونصر محمد صلى الله عليه وسلم وأوليائه وهلاك أعدائه . قوله عز وجل :