معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مِّن وَرَآئِهِۦ جَهَنَّمُ وَيُسۡقَىٰ مِن مَّآءٖ صَدِيدٖ} (16)

قوله تعالى : { من ورائه جهنم } أي : أمامه ، كقوله تعالى { وكان وراءهم ملك } [ الكهف-76 ] أي : أمامهم . قال أبو عبيدة : هو من الأضداد . وقال الأخفش : هو كما يقال هذا الأمر من ورائك يريد أنه سيأتيك ، وأنا من وراء فلان يعني أصل إليه . وقال مقاتل : من ورائه جهنم أي : بعده . { ويسقى من ماء صديد } أي : من ماء هو صديد ، وهو ما يسيل من أبدان الكفار من القيح والدم . وقال محمد بن كعب : ما يسيل من فروج الزناة ، يسقاه الكافر .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مِّن وَرَآئِهِۦ جَهَنَّمُ وَيُسۡقَىٰ مِن مَّآءٖ صَدِيدٖ} (16)

( مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ )

والمشهد هنا عجيب . إنه مشهد الخيبة لكل جبار عنيد . مشهد الخيبة في هذه الأرض . ولكنه يقف هذا الموقف ، ومن ورائه تخايل جهنم وصورته فيها ، وهو يسقى من الصديد السائل من الجسوم .

/خ27

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مِّن وَرَآئِهِۦ جَهَنَّمُ وَيُسۡقَىٰ مِن مَّآءٖ صَدِيدٖ} (16)

قوله : { من ورائه جهنم } صفة ل { جبار عنيد } ، أي خاب الجبّار العنيد في الدنيا وليس ذلك حظه من العقاب بل وراءه عقاب الآخرة .

والوراء : مستعمل في معنى ما ينتظره ويحل به من بعد ، فاستعير لذلك بجامع الغفلة عن الحصول كالشيء الذي يكون من وراء المرء لا يشعر به لأنه لا يراه ، كقوله تعالى : { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً } [ سورة الكهف : 79 ] ، أي وهم غافلون عنه ولو ظفر بهم لافتك سفينتهم ، وقول هدبة بن خشرم :

عسى الكرب الذي أمسيت فيه *** يكون وراءَه فَرج قريب

وأما إطلاق الوراء على معنى من بَعْد } فاستعمال آخر قريب من هذا وليس عينه .

والمعنى : أن جهنم تنتظره ، أي فهو صائر إليها بعد موته .

والصديد : المُهلة ، أي مثل الماء يسيل من الدمل ونحوه ، وجعل الصديد ماء على التشبيه البليغ في الإسقاء ، لأن شأن الماء أن يُسْقى . والمعنى : ويسقى صديداً عوض الماء إن طلب الإسقاء ، ولذلك جعل { صديد } عطفَ بيان ل { ماء } . وهذا من وجوه التشبيه البليغ .

وعطف جملة { يسقى } على جملة { من ورائه جهنم } لأن السقي من الصديد شيء زائد على نار جهنم .