فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{مِّن وَرَآئِهِۦ جَهَنَّمُ وَيُسۡقَىٰ مِن مَّآءٖ صَدِيدٖ} (16)

{ مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ } أي : من بعده جهنم ، والمراد بعد هلاكه على أن وراء ها هنا بمعنى بعد ، ومنه قول النابغة :

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة *** وليس وراء الله للمرء مذهب

أي : ليس بعد الله ، ومثله قوله : { ومن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } أي : من بعده . كذا قال الفراء . وقيل : من ورائه أي : من أمامه ، قال أبو عبيد : هو من أسماء الأضداد ، لأن أحدهما ينقلب إلى الآخر ، ومنه قول الشاعر :

ومن ورائك يوم أنت بالغه *** لا حاضر معجز عنه ولا بادي

وقال آخر :

أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي *** وقومي تميم والفلاة ورائيا

أي : أمامي ، ومنه قوله تعالى : { وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } [ الكهف : 79 ] . أي : أمامهم ، ويقول أبي عبيدة هذا قاله قطرب . وقال الأخفش : هو كما يقال : هذا الأمر من ورائك ، أي : سوف يأتيك ، وأنا من وراء فلان ، أي : في طلبه . وقال النحاس : من ورائه ، أي : من أمامه ، وليس من الأضداد ، ولكنه من توارى ، أي : استتر فصارت جهنم من ورائه ؛ لأنها لا ترى ، وحكى مثله ابن الأنباري . { ويسقى مِن مَّاء صَدِيدٍ } معطوف على مقدّر جواباً عن سؤال سائل ، كأنه قيل : فماذا يكون إذن ؟ قيل : يلقى فيها ويسقى ، والصديد ما يسيل من جلود أهل النار ، واشتقاقه من الصدّ ، لأنه يصدّ الناظرين عن رؤيته ، وهو دم مختلط بقيح ، والصديد صفة لماء . وقيل : عطف بيان منه .

/خ18