البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{مِّن وَرَآئِهِۦ جَهَنَّمُ وَيُسۡقَىٰ مِن مَّآءٖ صَدِيدٖ} (16)

ومن ورائه قال أبو عبيدة وابن الأنباري أي : من بعده .

وقال الشاعر :

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة . . . ***وليس وراء الله للمرء مهرب

وقال أبو عبيدة أيضاً ، وقطرب ، والطبري ، وجماعة : ومن ورائه أي ومن أمامه ، وهو معنى قول الزمخشري : من بين يديه .

وأنشد :

عسى الكرب الذي أمسيت فيه . . ***يكون وراء فرج قريب

وهذا وصف حاله في الدنيا ، لأنه مرصد لجهنم ، فكأنها بين يديه وهو على شفيرها ، أو وصف حاله في الآخرة حين يبعث ويوقف .

وقال الشاعر :

أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي ***وقوم تميم والفلاة ورائيا

وقال آخر :

أليس ورائي إن تراخت منيتي ***لزوم العصا نحني عليها الأصابع

ووراء من الأضداد قاله : أبو عبيدة والأزهري .

وقيل : ليس من الأضداد .

وقال ثعلب : اسم لما توارى عنك ، سواء كان أمامك أم خلفك .

وقيل : بمعنى من خلفه أي : في طلبه كما تقول الأمر من ورائك أي : سوف يأتيك .

ويسقى معطوف على محذوف تقديره : يلقى فيها ويسقى ، أو معطوف على العامل في من ورائه ، وهو واقع موقع الصفة .

وارتفاع جهنم على الفاعلية ، والظاهر إرادة حقيقة الماء .

وصديد قال ابن عطية : هو نعت لماء ، كما تقول : هذا خاتم حديد وليس بماء ، لكنه لما كان بدل الماء في العرف عندنا يعني أطلق عليه ماء .

وقيل : هو نعت على إسقاط أداة التشبيه كما تقول : مررت برجل أسد التقدير : مثل صديد .

فعلى قول ابن عطية هو نفس الصديد وليس بماء حقيقة ، وعلى هذا القول لا يكون صديداً ولكنه ما يشبه بالصديد .

وقال الزمخشري : صديد عطف بيان لماء قال : ويسقى من ماء ، فأبهمه إبهاماً ، ثم بينه بقوله : صديد انتهى .

والبصريون لا يجيزون عطف البيان في النكرات ، وأجازه الكوفيون وتبعهم الفارسي ، فأعرب { زيتونة } عطف بيان { لشجرة مباركة } فعلى رأي البصريين لا يجوز أن يكون قوله : صديد ، عطف بيان .

وقال الحوفي : صديد نعت لماء .

وقال مجاهد ، وقتادة ، والضحاك : هو ما يسيل من أجساد أهل النار .

وقال محمد بن كعب والربيع : هو غسالة أهل النار في النار .

وقيل : هو ما يسيل من فروج الزناة والزواني .

وقيل : صديد بمعنى مصدود عنه أي : لكراهته يصد عنه ، فيكون مأخوذاً عنه من الصد .

وذكر ابن المبارك من حديث أبي أمامة عن الرسول قاله في قوله : { ويسقى من ماء صديد يتجرعه } قال : «يقرب إليه فيتكرهه ، فإذا أدنى منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه ، وإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره »