ثم ذكر كيفية عذابهن فقال : " مِنْ وَرائِهِ " جملة في محلّ جر صفة ل " جبَّارٍ " ويجوز أن تكون الصفة وحدها الجار ، و " جهنم " فاعل به .
وقوله : " ويسقى " صفة معطوفة على الصفة قبلها . عطف جملة فعلية على اسمية فإن جعلت الصفة الجار وحده ، وعلقته بفعل كان من عطف فعلية على فعلية .
وقيل : عطف على محذوف ، أي : يلقى فيها ، ويُسْقَى .
و " وَرَاءِ " هنا على بابها ، وقيل بمعنى أمام ، فهو من الأضداد ، وهذا عنى الزمخشري بقوله : " مِنْ بَيْنِ يَديْهِ " وأنشد : [ الوافر ]
عَسَى الكَرْبُ الَّذي أمْسَيْتُ فِيهِ *** يَكونُ وَراءَهُ فَرجٌ قَرِيب{[19181]}
وهو قول أبي عبيدة و ابن السِّكيت ، وقطرب ، وابن جريرٍ ؛ وقال الشاعر في ذلك : [ الطويل ]
أيَرْجُو بنُو مَرْوان سَمْعِي وطَاعتِي *** وقَوْمُ تَميمٍ والفَلاةُ وَرَائِيَا{[19182]}
أي : قُدَّامي ؛ وقال الآخر : [ الطويل ]
أليْسَ وَرائِي إنْ تَراخَتْ مَنيَّتِي *** لزومُ العَصَا عليْهَا الأصابِعُ{[19183]}
وقال ثعلب : هو اسم لما توارى عنك سواء كان خلفك ، أم قدامك فيصح إطلاق لفظ الوراء على الحذف وقدام ، ويقال : المَوْتُ وراء كُلُّ أحدٍ ، وقال تعالى : { وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } [ الكهف : 79 ] أي : أمامهم .
وقال ابن الأنباري : وراء بمعنى بعد ، قال الشاعر : [ الطويل ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** وليْسَ ورَاءَ اللهِ للْخَلْقِ مَهْرَبُ{[19184]}
ومعنى الآية : أنه بعد الخيبة يدخلهم جهنم .
قوله : { مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ } في " صديد " ثلاثة أوجه :
أحدها : أنَّه نعت ل " مَاءٍ " . وفي تأويلان :
أحدهما : أنه على حذف أداة التشبيه ، أي : ماء مثل صديد ، وعلى هذا فليس الماء الذي تشربونه صديداً ، بل مثله في النَّتنِ ، والغلظ ، والقذارة ، كقوله تعالى : { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَاءٍ كالمهل } [ الكهف : 29 ] .
والثاني : أنَّ الصديد لما كان يشبه الماء أطلق عليه ماء ، وليس هو بماء حقيقة ، وعلى هذا فيكون يشربون نفس الصديد المشبه للماء ، وهو قول ابن عطية ، وإلى كونه صفة ذهب الحوفي وغيره . وفيه نظرٌ ، إذ ليس بمشتق إلاَّ على من فسَّره بأنه صديد بمعنى مصدود ، أخذه من الصَّدِّ ، وكأنه لكراهته مصدودٌ عنه ، أي : يمتنع عليه كل أحد .
الثاني : أنه عطف بيان ل " مَاءٍ " ، وإليه ذهب الزمخشري ، وليس مذهب البصريين [ جريانه ]{[19185]} في النكرات إنَّما قال به الكوفيون وتبعهم الفارسي أيضاً .
الثالث : أن يكون بدلاً ، وأعرب الفارسي " زَيْتُونةٍ " من قوله تعالى { مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ } [ النور : 35 ] عطف بيان أيضاً .
واستدلّ من جوَّز كونه عطف بيان ، ومتبوعه نكرتين بهاتين الآيتين .
والصَّديد : ما يسيلُ من أجسادٍ أهلِ النَّار . وقيل : ما حَالَ بين الجلدِ واللَّحمِ من القَيْحِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.