معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (39)

ثم قال : { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه } ، يعني : القرآن ، كذبوا به ولم يحيطوا بعلمه ، { ولما يأتهم تأويله } ، أي : عاقبة ما وعد الله في القرآن ، أنه يؤول إليه أمرهم من العقوبة ، يريد : أنهم لم يعلموا ما يؤول إليه عاقبة أمرهم . { كذلك كذب الذين من قبلهم } ، أي : كما كذب هؤلاء الكفار بالقرآن كذلك كذب الذين من قبلهم من كفار الأمم الخالية ، { فانظر كيف كان عاقبة الظالمين } ، آخر أمر المشركين بالهلاك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (39)

26

ويضرب السياق عن المضي في الجدل بعد هذا التحدي ، ليقرر أنهم لا يتبعون إلا الظن ، فهم يحكمون على مالم يعلموه . والحكم يجب أن يسبقه العلم ، وألا يعتمد على مجرد الهوى أو مجرد الظن . والذي حكموا عليه هنا هو الوحي بالقرآن وصدق ما فيه من الوعد والوعيد . لقد كذبوا بهذا وليس لديهم من علم يقوم عليه التكذيب ، ولما يأتهم تأويله الواقعي بوقوعه :

( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ، ولما يأتهم تأويله ) . .

شأنهم في هذا شأن المكذبين من قبلهم ، الظالمين المشركين بربهم . فليتأمل المتأمل كيف كان مصير الأولين ليعرف حقيقة مصير الآخرين :

( كذلك كذب الذين من قبلهم ، فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ) . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (39)

المعنى : ليس الأمر كما قالوا في أنه مفترى { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه } ، وهذا اللفظ يحتمل معنيين : أحدهما أن يريد بها الوعيد الذي توعدهم الله عز وجل على الكفر ، وتأويله على هذا يراد به ما يؤول إليه أمره كما هو في قوله { هل ينظرون إلا تأويله }{[6119]} ، والآية بجملتها على هذا التأويل تتضمن وعيداً ، والمعنى الثاني أنه أراد بل كذبوا بهذا القرآن العظيم المنبىء بالغيوب الذي لم تتقدم لهم به معرفة ولا أحاطوا بعلم غيوبه وحسن نظمه ولا جاءهم تفسير ذلك وبيانه ، و { الذين من قبلهم } يريد من سلف من أمم الأنبياء ، قال الزجّاج { كيف } في موضع نصب على خبر { كان } ولا يجوز أن يعمل فيها «انظر »{[6120]} لأن ما قبل الاستفهام لا يعمل فيه .

قال القاضي أبو محمد : هذا قانون النحويين لأنهم عاملوا «كيف » في كل مكان معاملة الاستفهام المحض في قولك : كيف زيد ول «كيف » تصرفات غير هذا ، وتحل محل المصدر الذي هو كيفية وتخلع معنى الاستفهام ، ويحتمل هذا أن يكون منها ومن تصرفاتها قولهم : كن كيف شئت ، وانظر قول البخاري : كيف كان بدء الوحي فإنه لم يستفهم{[6121]} . وذكر الفعل المسند إلى «العاقبة » لما كانت بمعنى المآل ونحوه وليس تأنيثها بحقيقي .


[6119]:- من الآية (53) من سورة (الأعراف).
[6120]:- أي: لا يعمل فيها لفظا، لكن الجملة في موضع نصب بـ (انظر) معلقة، وهي من نظر القلب لا العين.
[6121]:- علّق أبو حيان على هذا بكلام طويل خلاصته أن (كيف) لها معنيان: أحدهما: الاستفهام المحض، فهي سؤال عن الهيئة إلا إذا تعلق عنها العامل فيكون معناها معنى الأسماء التي يستفهم بها عند تعليق العامل عنها، والثاني: الشرط كقول العرب: "كيف تكون أكون"، وأما قول البخاري: "كيف كان بدء الوحي"؟ فهو استفهام محض على سبيل الحكاية، كأن سائلا سأله فقال: "كيف كان بدء الوحي"؟ فأجاب بالحديث الذي فيه كيفية ذلك."البحر 5/160".