تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (39)

وقوله تعالى : ( بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ) قال بعضهم : ما لم يحفظوا نظمه ولا لفظه ، ولا نظروا فيه ، ولا تدبروا ليعلموا ( بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ) بالبديهة . والشيء/230-أ/ إنما يعرف كذبه وصدقه بالنظر فيه والتفكر والتدبر لا بالبديهة .

فذلك ، والله أعلم ، تأويل قوله ( بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ) كذبوا على علم منهم أنهم كذبة في ما يقولون ، وينقلون أنه مفترى ليس بمنزل ( ولما يأتيهم تأويله ) أي ولما يأتهم العلم بتأويله أي بتأويل القرآن .

ومعناه ، والله أعلم ، أنهم كذبوه من غير أن حفظوا نظمه ، ووعوا لفظه ، ولا أتاهم العلم بعاقبته وآخره .

قيل : التأويل هو رد كل شيء إلى أولية الأمر . وقالت الحكماء : التأويل آخر كل فعل : هو قصد في أوله ، وقصد كل شيء في أوله هو آخره في فعل أو نحوه .

وقال بعضهم : ( ولما يأتهم تأويله ) ما[ أدرج قبلها في الأصل وم : قال ] وعد الله أن يكون قبل أن يكون ، وقال ابن عباس رضي الله عنه : تأويل القرآن بما يكون منه في الدنيا وبما يكون منه يوم القيامة ، وهو العذاب الذي وعد .

وقال بعضهم : ( تأويله ) ثوابه ، وقيل : عاقبته . وقال الواقدي : لم يأتهم عاقبة بيان ما وعد الله في القرآن في الآخرة من الوعيد .

وأصل التأويل هو النظر إلى ما تؤول عاقبة الأمر .

وقوله تعالى : ( كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) [ يحتمل وجهين :

أحدهما ][ ساقطة من الأصل و م ] : أي كذلك كذب الأمم السابقة رسلهم كما كذب كفار مكة رسولهم ؛ أي لست أنت بأول مكذب ، بل كذب من كان قبلك من إخوانك ليكون له التسلي عما هو فيه من تكذيبهم إياه وردهم عليه أنه ينزل بهم ما نزل بأولئك ، إن هم أقاموا على ما هم عليه .

والثاني : أن يكون الخطاب ، وإن كان خارجا لرسول الله صلى الله عليه و سلم فهو راجع إلى قومه ، يأمر بالنظر في ما نزل بالأمم السالفة ، وأن يتأملوا أحوالهم ليكون ذلك سببا لزجرهم عما هم فيه .

وقوله تعالى : ( فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ) بالتكذيب ؛ أي كيف يعاقبون ، ويُعَذَّبون ؟ والله أعلم .