السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (39)

ثم إنَّ الله تعالى ذكر السبب الذي لأجله كذبوا بالقرآن فقال تعالى : { بل كذبوا } أي : أوقعوا التكذيب الذي لا تكذيب أشنع منه مسرعين في ذلك { بما لم يحيطوا بعلمه } أي : القرآن أوّل ما سمعوه قبل أن يتدبروا آياته من غير شبهة أصلاً بل عناداً وطغياناً ونفوراً مما يخالف دينهم ، فهو من باب : مَنْ جَهِلَ شيئاً عاداه ، والإحاطة إدارة ما هو كالحائط حول الشيء وإحاطة العلم بالشيء العلم به من جميع وجوهه { ولما يأتهم } أي : إلى زمن تكذيبهم { تأويله } أي : تأويل ما فيه من الإخبار بالغيوب وعاقبة ما فيه من الوعيد حتى يتبين لهم أنه صدق أم كذب ، ومعنى التوقع في { لما } أنه قد ظهر لهم بالآخرة إعجازه لما كرّر عليهم التحدي ، فجربوا عقولهم في معارضته فصغرت وضعفت دونها ، ومع هذا لم يقلعوا عن التكذيب تمرداً وعناداً { كذلك } أي : مثل تكذيبهم هذا التكذيب العظيم في الشناعة قبل تدبر المعجزة { كذب الذين من قبلهم } أي : من كفار الأمم الماضية فظلموا فأهلكناهم بظلمهم { فانظر } يا محمد { كيف كان عاقبة الظالمين } بتكذيب الرسل ، أي : آخر أمرهم من الهلاك ، فكذلك يهلك من كذبك من قومك ، وفي ذلك تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون الخطاب لكل فرد من الناس ، والمعنى : فانظر أيها الإنسان كيف كان عاقبة من ظلم ، فاحذر أن تفعل مثل فعله .