غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (39)

31

{ بل كذبوا } سارعوا إلى التكذيب { بما لم يحيطوا بعلمه } وهو القرآن { ولما يأتهم تأويله } ومعنى التوقع فيه أنهم كذبوا به على البديهة قبل التدبر ومعرفة التأويل تقليداً للآباء ، وكذبوا به بعد التدبر وتكرير التحدي عليهم واستيقان عجزهم عن هذا بغياً وحسداً وعناداً . وذلك إنما حملهم على التكذيب أوّلا وآخراً وجوه منها : أنهم وجدوا في القرآن أقاصيص الأولين ولم يعرفوا المقصود منها فقالوا أساطير الأوّلين ، وخفي عليهم أن الغرض منها بيان قدرة الله تعالى على التصرف في هذا العالم ونقل الأمم من العز إلى الذل وبالعكس ، ليعرف المكلف أن الدنيا ليست مما يبقى ، فنهاية كل حركة سكون وغاية كل سكون أن لا يكون كقوله : عز من قائل لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } [ يوسف : 111 ] . ومنها أنهم كلما سمعوا حروف التهجي في أوائل السور ولم يفهموا منها شيئاً ساء ظنهم بالقرآن فأجاب الله تعالى عنه بقوله : { هو الذي أنزل عليك الكتاب } [ آل عمران :7 ] إلى قوله : { وأخر متشابهات } [ آل عمران :7 ] الآية . ومنها أنهم رأوا القرآن يظهر شيئاً فشيئاً فاتهموا النبي وقالوا : { لولا أنزل عليه القرآن جملة واحدة } [ الفرقان : 32 ] ومنها أنهم وجدوا القرآن مملوءاً من حديث الحشر والنشر ، وكانوا قد ألفوا المحسوسات فاستبعدوا ذلك . وأنهم وجدوا فيه تكاليف كثيرة من الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد وكانوا يقولون . إن إله العالم غني عنا وعن طاعاتنا { كذلك كذب الذين من قبلهم } يعني قبل النظر في معجزات أنبيائهم . قال أهل التحقيق : في الآية دلالة على أن من كان غير عارف بوجوه التأويل قد يقع في الكفر والبدعة ، لأن ظواهر النصوص قد تتعارض فيفتقر هنالك إلى تطبيق التنزيل على التأويل . وقيل : معنى الآية أن القرآن كتاب معجز من جهتين : من جهة إعجاز نظمه ومن جهة ما فيه من الأخبار بالغيوب ومن جملتها أحوال الآخرة . فقوله : { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه } إشارة إلى التكذيب به قبل أن ينظروا في نظمه وبلوغه حد الإعجاز ، وقوله : { ولما يأتهم تأويله } إشارة إلى تكذيبهم قبل أن يمتحنوا غيوبه هل تطابق الواقع أم لا . ثم ختم الآية بقوله : { فانظر كيف كان عاقبة الظالمين } والمراد أنهم طلبوا الدنيا وأعرضوا عن الآخرة فلم تبق عليهم الدنيا وفاتتهم الآخرة فبقوا في خسران الدارين . وقيل : المقصود عذاب الاستئصال الذي نزل بالمكذبين قبلهم .