معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۗ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآيِٕ رَبِّهِمۡ لَكَٰفِرُونَ} (8)

قوله تعالى : { أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق } أي : للحق ، وقيل : لإقامة الحق ، { وأجل مسمى } أي : لوقت معلوم إذا انتهت إليه فنيت ، وهو يوم القيامة . { وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون* }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۗ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآيِٕ رَبِّهِمۡ لَكَٰفِرُونَ} (8)

ولارتباط تحقق وعد الله بالنصر بالحق الأكبر الذي يقوم عليه هذا الوجود ، وارتباط أمر الآخرة كذلك بهذا الحق استطرد يجول بهم جولة أخرى في ضمير هذا الكون . في السماوات والأرض وما بينهما ؛ ويردهم إلى أنفسهم ينظرون في أعماقها ويتدبرون ، علهم يدركون ذلك الحق الكبير ، الذي يغفلون عنه حين يغفلون عن الآخرة ؛ ويغفلون عن الدعوة التي تقودهم إلى رؤية ذلك الحق وتدبره :

أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى . و إن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون .

فطبيعة تكوينهم هم أنفسهم ، وطبيعة هذا الكون كله من حولهم توحي بأن هذا الوجود قائم على الحق ، ثابت على الناموس ، لا يضطرب ، ولا تتفرق به السبل ، ولا تتخلف دورته ، ولا يصطدم بعضه ببعض ، ولا يسير وفق المصادفة العمياء ، ولا وفق الهوى المتقلب ، إنما يمضي في نظامه الدقيق المحكم المقدر تقديرا . وأن من مقتضيات هذا الحق الذي يقوم عليه الوجود أن تكون هناك آخرة ، يتم فيها الجزاء على العمل ، ويلقى الخير والشر عاقبتهما كاملة . إنما كل شيء إلى أجله المرسوم . وفق الحكمة المدبرة ؛ وكل أمر يجيء في موعده لا يستقدم لحظة ولا يستأخر . وإذا لم يعلم البشر متى تكون الساعة ، فإن هذا ليس معناه أنها لا تكون ! ولكن تأجيلها يغري الذين لا يعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا ويخدعهم : ( وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون ) . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۗ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآيِٕ رَبِّهِمۡ لَكَٰفِرُونَ} (8)

ثم أخبر عقب هذا المعنى بأن الحق هو السبب في خلق السماوات والأرض . فيفهم على طريقة الإيجاز والاختصار أن من فكر في نفسه علم حقيقة هذا الخبر ووقف عليه ببصيرة نفسه ، والمعنى الثاني أن تكون النفس ظرفاً للفكرة في خلق السماوات والأرض فيكون قوله { في أنفسهم } تأكيداً لقوله { يتفكروا } كما تقول انظر بعينك واسمع بأذنك ، فقولك بأذنك تأكيد ، وقوله { إلا بالحق } أي بسبب المنافع التي هي حق واجب يريد من الدلالة عليه والعبادة له دون فتور ، والانتصاب للعبرة ومنافع الأرزاق وغير ذلك{[9282]} ، { وأجل } عطف على «الحق » أي وبأجلٍ مسمى وهو يوم القيامة ، ففي الآية إشارة إلى البعث والنشور وفساد بنية من في هذا العالم ، ثم أخبر عن كثير من الناس أنهم كفرة بذلك المعنى فعبر عنه { بلقاء } الله لأن لقاء الله هو عظم الأمر وفيه النجاة أو الهلكة .


[9282]:قال الإمام أبو عبد الله الرازي: " قدم هنا دلائل الأنفس على دلائل الآفاق، وفي قوله تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم} قدم دلائل الآفاق على دلائل الأنفس. وحكمة ذلك أن المفيد يذكر الفائدة على وجه يختارها، فإن فهمت وإلا انتقل إلى الأبين، والمستفيد يفهم أولا الأبين ثم يرتقي إلى الأخفى، وفي قوله: {أو لم يتفكروا} الفعل مسند إلى السامع أي المستفيد، فبدأ تعالى بما يفهم أولا، ثم ارتقى إلى الأخفى الذي يفهم ثانيا، وفي قوله: {سنريهم آياتنا} الفعل مسند إلى المفيد، فذكر أولا الآفاق، فإن لم يفهموا فالأنفس، إذ لا ذهول للإنسان عن دلائلها في ذاته، بخلاف دلائل الآفاق لأنه قد يذهل عنها، وهذا مراعى في الذين يذكرون الله قياما وقعودا، إذ بدأ تعالى بأحوال الأنفس ثم بدلائل الآفاق". 1 هـ بتصرف.