معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{طسٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الشعراء مكية وآياتها سبع وعشرون ومائتان إلا أربع آيات من آخر السورة من قوله : " والشعراء يتبعهم الغاوون " . وروينا عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ أعطيت طه والطواسين من ألواح موسى عليه الصلاة والسلامٍ .

قوله تعالى : { طسم } قرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر : طسم ، وطس ، وحم ، ويس بكسر الطاء والياء والحاء ، وقرأ أهل المدينة بين الفتح والكسر ، وقرأ الآخرون بالفتح على التفخيم ، وأظهر النون من السين عند الميم من طسم : أبو جعفر ، وحمزة ، وأخفاها الآخرون . وروي عن عكرمة عن ابن عباس قال : طسم عجزت العلماء عن علم تفسيرها . وروى علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس :أنه قسم ، وهو من أسماء الله تعالى ، وقال قتادة : اسم من أسماء القرآن . وقال مجاهد : اسم للسورة . قال محمد بن كعب القرظي : أقسم الله بطوله وسنائه وملكه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{طسٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الشعراء مكية وآياتها سبع وعشرون ومائتان

موضوع هذه السورة الرئيسي هو موضوع السور المكية جميعا . . العقيدة . . ملخصة في عناصرها الأساسية : توحيد الله : ( فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين ) . . والخوف من الآخرة : ( ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) . . والتصديق بالوحي المنزل على محمد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ( وإنه لتنزيل رب العالمين ؛ نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين ) . . ثم التخويف من عاقبة التكذيب ، إما بعذاب الدنيا الذي يدمر المكذبين ؛ وإما بعذاب الآخرة الذي ينتظر الكافرين : ( فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون ! ) . . ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) .

ذلك إلى تسلية الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وتعزيته عن تكذيب المشركين له وللقرآن : ( لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين )وإلى طمأنة قلوب المؤمنين وتصبيرهم على ما يلقون من عنت المشركين ؛ وتثبيتهم على العقيدة مهما أوذوا في سبيلها من الظالمين ؛ كما ثبت من قبلهم من المؤمنين .

وجسم السورة هو القصص الذي يشغل ثمانين ومائة آية من مجموع آيات السورة كلها . والسورة هي هذا القصص مع مقدمة وتعقيب . والقصص والمقدمة والتعقيب تؤلف وحدة متكاملة متجانسة ، تعبر عن موضوع السورة وتبرزه في أساليب متنوعة ، تلتقي عند هدف واحد . . ومن ثم تعرض من كل قصة الحلقة أو الحلقات التي تؤدي هذه الأغراض .

ويغلب على القصص كما يغلب على السورة كلها جو الإنذار والتكذيب ، والعذاب الذي يتبع التكذيب . ذلك أن السورة تواجه تكذيب مشركي قريش لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] واستهزاءهم بالنذر ، وإعراضهم عن آيات الله ، واستعجالهم بالعذاب الذي يوعدهم به ؛ مع التقول على الوحي والقرآن ؛ والادعاء بأنه سحر أو شعر تتنزل به الشياطين !

والسورة كلها شوط واحد - مقدمتها وقصصها وتعقيبها - في هذا المضمار . لذلك نقسمها إلى فقرات أو جولات بحسب ترتيبها . ونبدأ بالمقدمة قبل القصص المختار :

( طسم . تلك آيات الكتاب المبين ) . .

طا . سين . ميم . . الأحرف المقطعة للتنبيه إلى أن آيات الكتاب المبين - ومنها هذه السورة - مؤلفة من مثل هذه الأحرف ؛ وهي في متناول المكذبين بالوحي ؛ وهم لا يستطيعون أن يصوغوا منها مثل هذا الكتاب المبين . والحديث عن هذا الكتاب متداول في السورة . في مقدمتها ونهايتها . كما هو الشأن في السور المبدوءة بالأحرف المقطعة في القرآن .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{طسٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الشعراء مكية إلا قوله تعالى والشعراء يتبعهم الغاوون إلى آخرها وهي مائتان وست أو سبع وعشرون آية .

{ بسم الله الرحمن الرحيم } { طسم } قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بالإمالة ، ونافع بين بين كراهة للعود إلى الياء المهروب منها ، وأظهر نونه حمزة لأنه في الأصل منفصل عما بعده .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{طسٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

اشتهرت عند السلف بسورة الشعراء لأنها تفردت من بين سور القرآن بذكر كلمة الشعراء . وكذلك جاءت تسميتها في كتب السنة . وتسمى أيضا سورة طسم .

وفي أحكام ابن العربي أنها تسمى أيضا الجامعة ، ونسبه أبن كثير والسيوطي في الإتقان إلى تفسير مالك المروي عنه{[1]} . ولم يظهر وجه وصفها بهذا الوصف . ولعلها أول سورة جمعت ذكر الرسل أصحاب الشرائع المعلومة إلى الرسالة المحمدية .

وهي مكية ، فقيل جميعها مكي ، وهو المروي عن ابن الزبير . ورواية عن ابن عباس ونسبه ابن عطية إلى الجمهور . وروي عن ابن عباس أن قوله تعالى { والشعراء يتبعهم الغاوون } إلى آخر السورة نزل بالمدينة لذكر شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت وابن رواحة وكعب بن مالك وهم المعني بقوله { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } الآية . ولعل هذه الآية هي التي أقدمت هؤلاء على القول بأن تلك الآيات مدنية . وعن الداني قال : نزلت { والشعراء يتبعهم الغاوون } في شاعرين تهاجيا في الجاهلية .

وأقول : كان شعراء بمكة يهجون النبي صلى الله عليه وسلم منهم النضر بن الحارث ، والعوراء بنت حرب زوج أبي لهب ونحوهما ، وهم المراد بآيات { والشعراء يتبعهم الغاوون } . وكان شعراء المدينة قد أسلموا قبل الهجرة وكان في مكة شعراء مسلمون من الذين هاجروا إلى الحبشة كما سيأتي .

وعن مقاتل : أن قوله تعالى { أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل } نزل بالمدينة . وكان الذي دعاه إلى ذلك أن مخالطة علماء بني إسرائيل كانت بعد الهجرة . ولا يخفى أن الحجة لا تتوقف على وقوع مخالطة علماء بني إسرائيل ؛ فقد ذكر القرآن مثل هذه الحجة في آيات نزلت بمكة ، من ذلك قوله { قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب } في سورة الرعد وهي مكية ، وقوله { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون } في سورة القصص وهي مكية ، وقوله { وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به } في سورة العنكبوت وهي مكية . وشأن علماء بني إسرائيل مشهور بمكة وكان لأهل مكة صلات مع اليهود بالمدينة ومراجعة بينهم في شأن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كما تقدم عند قوله تعالى { ويسألونك عن الروح } في سورة الإسراء ، ولذا فالذي نوقن به أن السورة كلها مكية .

وهي السورة السابعة والأربعون في عداد نزول السور نزلت بعد سورة الواقعة وقبل سورة النمل . وسيأتي في تفسير قوله تعالى { وأنذر عشيرتك الأقربين } ما يقتضي أن تلك الآية نزلت قبل نزول سورة أبي لهب وتعرضنا لإمكان الجمع بين الأقوال .

وقد جعل أهل المدينة وأهل مكة وأهل البصرة عدد آيها مائتين وستا وعشرين ، وجعله أهل الشام وأهل الكوفة مائتين وسبعا وعشرين .

الأغراض التي اشتملت عليها

أولها التنويه بالقرآن ، والتعريض بعجزهم عن معارضته ، وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم على ما يلاقيه من إعراض قومه عن التوحيد الذي دعاهم إليه القرآن .

وفي ضمنه تهديدهم على تعرضهم لغضب الله تعالى ، وضرب المثل لهم بما حل بالأمم المكذبة رسلها والمعرضة عن آيات الله .

وأحسب أنها نزلت إثر طلب المشركين أن يأتيهم الرسول بخوارق ، فافتتحت بتسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيت له ورباطة لجأشه بأن ما يلاقيه من قومه هو سنة الرسل من قبله مع أقوامهم مثل موسى وإبراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب ؛ ولذلك ختم كل استدلال جيء به على المشركين المكذبين بتذييل واحد هو قوله { إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم } تسجيلا عليهم بأن آيات الوحدانية وصدق الرسل عديدة كافية لمن يتطلب الحق ولكن أكثر المشركين لا يؤمنون وأن الله عزيز قادر على أن ينزل بهم العذاب وأنه رحيم برسله فناصرهم على أعدائهم .

قال في الكشاف : كل قصة من القصص المذكورة في هذه السورة كتنزيل برأسه . وفيها من الاعتبار ما في غيرها فكانت كل واحدة منها تدلي بحق في أن تختم بما اختتمت به صاحبتها ، ولأن في التكرير تقريرا للمعاني في الأنفس وكلما زاد ترديده كان أمكن له في القلب وأرسخ في الفهم وأبعد من النسيان ، ولأن هذه القصص طرقت بها إذان وقرت عن الإنصات للحق فكوثرت بالوعظ والتذكير وروجعت بالترديد والتكرير لعل ذلك يفتح أذنا أو يفتق ذهنا اه .

ثم التنويه بالقرآن ، وشهادة أهل الكتاب له ، والرد على مطاعنهم في القرآن وجعله عضين ، وأنه منزه عن أن يكون شعرا ومن أقوال الشياطين ، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإنذار عشيرته ، وأن الرسول ما عليه إلا البلاغ ، وما تخلل ذلك من دلائل .

يأتي في تفسيره من التأويلات ما سبق ذِكره في جميع الحروف المقطعة في أوائل السور في معان متماثلة . وأظهر تلك المعاني أن المقصود التعريض بإلهاب نفوس المنكرين لمعارضة بعض سور القرآن بالإتيان بمثله في بلاغته وفصاحته وتحدّيهم بذلك والتورك عليهم بعجزهم عن ذلك .

وعن ابن عباس : أن { طَسم } قَسَم ، وهو اسم من أسماء الله تعالى ، والمقسم عليه قوله : { إن نَشَأ نُنزّل عليهم من السماء آية } [ الشعراء : 4 ] . فقال القرظي : أقسم الله بطوله وسَنائه ومُلكه . وقيل الحروف مقتضبة من أسماء الله تعالى ذي الطَّول ، القدوس ، الملك . وقد علمت في أول سورة البقرة أنها حروف للتهجّي واستقصاء في التحدّي يعجزهم عن معارضة القرآن ، وعليه تظهر مناسبة تعقيبه بآية { تلك آيات الكتاب المبين } [ الشعراء : 2 ] .

والجمهور قرأوا : { طَسمِّ } كلمة واحدة ، وأدغموا النون من سين في الميم وقرأ حمزة بإظهار النون . وقرأ أبو جعفر حروفاً مفككة ، قالوا وكذلك هي مرسومة في مصحف ابن مسعود حروفاً مفككة ( ط س م ) .

والقول في عدم مَدّ اسم ( طَا ) مع أن أصله مهموز الآخر لأنه لما كان قد عرض له سكون السكت حذفت همزته كما تحذف للوقف ، كما تقدم في عدم مدّ ( رَا ) في { الر } في سورة يونس ( 1 ) .


[1]:محمد بن علي البصري الشافعي المعتزلي المتوفى سنة 439هـ له كتاب "المعتمد في أصول الفقه".