لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{طسٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله اسم عزيز يرتضي من الزاهد ترك دنياه ، ومن العابد مخالفة هواه ، ومن القاصد قطع مناه ، ولا يرضى من العارف أن يساكن شيئا غير مولاه . إن خرج عن كل مرسوم – بالكلية ، وانسلخ عن كل معلوم – من غير أن تبقى له منه بقية فلعله يجد شظية . وإن عرّج على شيء ، ولم يصف من الكدورات – حتى عن يسيرها – وإن دق- فإنه كما الخبر : " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم " .

قوله جل ذكره : { طسم تلك ءايات الكتاب المبين } .

ذَكَرْنَا فيما مضى اختلافَ السَّلَفِ في الحروف المُقَطَّعَة ؛ فعند قوم : الطاءُ إشارة إلى طهارة عِزِّه وتَقَدُّسِ عُلُوِّه ، والسين إشارةٌ ودلالةٌ على سناء جبروته ، والميم دلالةٌ على مَجْدِ جلاله في آزله .

ويقال الطاء إِشارة إلى شجرة طوبى ، والسين إلى سِدْرَةِ المُنتهى ، والميم إلى اسم محمد صلى الله عليه وسلم ؛ أي ارتقى محمدٌ ليلةَ الإسراء عن شهوده شجرةَ طوبى حتى بَلَغَ سدرةَ المنتهى ، فلم يُسَاكِنْ شيئاً من المخلوقات في الدنيا والعُقْبى .

ويقال الطاء طَرَبُ أربابِ الوصلة على بساط القرب بوجدان كما الروح ، والسين سرورُ العارِفين بما كوشفوا به من بقاء الأحدية باستقلالهم بوجوده والميم إشارة إلى موافقتهم لله بِتَرْكِ التخيُّر على الله ، وحُسْنِ الرضا باختيار الحق لهم .

ويقال الطاء إشارةٌ إلى طيبِ قلوب الفقراء عند فقد الأسباب لكمال العَيْشِ بمعرفة وجود الرزَّاق بَدَلَ طيب قلوب العوام بوجود الأرْفاق والأرزاق .

ويقال الطاء إشارةٌ إلى طهارة أسرار أهل التوحيد ، والسين إشارة إلى سلامة قلوبهم عن مساكنة كلِّ مخلوق ، والميم إشارة إلى مِنَّةِ الحقِّ عليهم بذلك .