قوله تعالى : { قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم } ، يقتلهم الله بأيديكم .
قوله تعالى : { ويخزهم } ، ويذلهم بالأسر والقهر .
قوله تعالى : { وينصركم عليهم ويشف صدور قوم } ، ويبرئ داء قلوب قوم .
قوله تعالى : { مؤمنين } ، مما كانوا ينالونه من الأذى منهم . وقال مجاهد و السدي : أراد صدور خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أعانت قريش بني بكر عليهم ، حتى نكأوا فيهم فشفى الله صدورهم من بني بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين .
( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ )
ثم تشجعهم على قتال المشركين لعل الله أن يعذبهم بأيديهم ، فيكونوا هم ستارا لقدرة الله في تعذيب أعدائه وأعدائهم ، وخزيانهم وقهرهم . وشفاء صدور المؤمنين الذين أوذوا في الله منهم . ثم تواجه التعلات التي تحيك في صدور البعض من الأمل في دخول المشركين الباقين في الإسلام دون حرب ولا قتال . تواجه هذه التعلات بأن الرجاء الحقيقي في أن يفيء هؤلاء إلى الإسلام أولى أن يتعلق بانتصار المسلمين ، وهزيمة المشركين . فيومئذ قد يفيء بعضهم - ممن يقسم الله له التوبة - إلى الإسلام المنتصر الظاهر الظافر ! . . وفي النهاية تلفتهم الآيات إلى أن سنة الله هي ابتلاء الجماعات بمثل هذه التكاليف ليظهر حقيقة ما هم عليه . وأن السنة لا تتبدل ولا تحيد . .
( ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم ، وهموا بإخراج الرسول ، وهم بدأوكم أول مرة ? أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه ، إن كنتم مؤمنين ) . .
إن تاريخ المشركين مع المسلمين كله نكث للأيمان ، ونقض للعهود . وأقرب ما كان من هذا نقضهم لعهدهم مع رسول الله [ ص ] في الحديبية . ولقد قبل [ ص ] من شروطهم - بإلهام من ربه وهداية - ما حسبه بعض أفاضل أصحابه قبولا للدنية ! ووفى لهم بعهده أدق ما يكون الوفاء وأسماه . ولكنهم هم لم يفوا ، وخاسوا بالعهد بعد عامين اثنين ، عند أول فرصة سنحت . . كما أن المشركين هم الذين هموا بإخراج الرسول [ ص ] من قبل في مكة ؛ وبيتوا أمرهم في النهاية على قتله قبل الهجرة . وكان هذا في بيت الله الحرام الذي يأمن فيه القاتل منهم على دمه وماله ؛ حتى لكان الواحد يلقى قاتل أخيه أو أبيه في الحرم فلا يمسه بسوء . أما محمد رسول الله ، الداعي إلى الهدى والإيمان وعبادة الله وحده ، فلم يرعوا معه هذه الخصلة ؛ وهموا بإخراجه ؛ ثم تآمروا على حياته ؛ وبيتوا قتله في بيت الله الحرام ، بلا تحرج ولا تذمم مما يتحرجون منه ويتذممون مع أصحاب الثارات ! . . كذلك كانوا هم الذين هموا بقتال المسلمين وحربهم في المدينة . فهم الذين أصروا - بقيادة أبي جهل - على ملاقاة المسلمين بعد أن نجت القافلة التي خرجوا لها ؛ ثم قاتلوهم بادئين في أحد وفي الخندق . ثم جمعوا لهم في حنين كذلك . . وكلها وقائع حاضرة أو ذكريات قريبة ؛ وكلها تنم عن الإصرار الذي يصفه قول الله تعالى : ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا )كما تنم عن طبيعة العلاقة بين المعسكر الذي يعبد آلهة من دون الله تجاه المعسكر الذي لا يعبد إلا الله . .
وحين يستعرض السياق هذا الشريط الطويل من الذكريات والمواقف والأحداث ، في هذه اللمسات السريعة العميقة الإيقاع في قلوب المسلمين ، يخاطبهم : ( أتخشونهم ? ) . .
فإنهم لا يقعدون عن قتال المشركين هؤلاء إلا أن تكون هي الخشية والخوف والتهيب !
ويعقب على السؤال بما هو أشد استجاشة للقلوب من السؤال :
( فالله أحق أن تخشوه ، إن كنتم مؤمنين ) . .
إن المؤمن لا يخشى أحدا من العبيد . فالمؤمن لا يخشى إلا الله . فإذا كانوا يخشون المشركين فالله أحق بالخشية ، وأولى بالمخافة ؛ وما يجوز أن يكون لغيره في قلوب المؤمنين مكان !
وإن مشاعر المؤمنين لتثور ؛ وهي تستجاش بتلك الذكريات والوقائع والأحداث . . وهم يذكرون بتآمر المشركين على نبيهم [ ص ] . . وهم يستعرضون نكث المشركين لعهودهم معهم وتبييتهم لهم الغدر كلما التمسوا منهم غرة ، أو وجدوا في موقفهم ثغرة . وهم يتذكرون مبادأة المشركين لهم بالعداء والقتال بطرا وطغيانا . . وفي غمرة هذه الثورة يحرض المؤمنين على القتال :
( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم ، وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ، ويذهب غيظ قلوبهم ) . .
قاتلوهم يجعلكم الله ستار قدرته ، وأداة مشيئته ، فيعذبهم بأيديكم ويخزهم بالهزيمة وهم يتخايلون بالقوة ، وينصركم عليهم ويشف صدور جماعة من المؤمنين ممن آذاهم وشردهم المشركون .
{ قاتلوهم } أمر بالقتال بعد بيان موجبه والتوبيخ على تركه والتوعد عليه . { يعذّبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم } وعد لهم إن قاتلوهم بالنصر عليهم والتمكن من قتلهم وإذلالهم . { ويشف صدور قوم مؤمنين } يعني بني خزاعة . وقيل بطونا من اليمن وسبأ قدموا مكة فأسلموا فلقوا من أهلها أذى شديدا فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أبشروا فإن الفرج قريب " .
وقوله { قاتلوهم يعذبهم الله } الآية ، قررت الآيات قبلها أفعال الكفرة ثم حَّضض على القتال مقترناً بذنوبهم لتنبعث الحمية مع ذلك ، ثم جزم الأمر بقتالهم في هذه الآية مقترناً بوعد وكيد يتضمن النصرة عليهم والظفر بهم ، وقوله { يعذبهم } معناه بالقتل والأسر وذلك كله عذاب ، { ويخزهم } معناه يذلهم على ذنوبهم يقال خزي الرجل خزياً إذا ذل من حيث وقع في عار وأخزاه غيره وخزي خزاية إذا استحيا ، وأما قوله { ويشف صدور قوم مؤمنين } فإن الكلام يحتمل أن يريد جماعة المؤمنين لأن كل ما يهد من الكفر هو شفاء من هم صدور المؤمنين ، ويحتمل أن يريد تخصيص قوم من المؤمنين ، وروي أنهم خزاعة قاله مجاهد والسدي ووجه تخصيصهم أنهم الذين نقض فيهم العهد ونالتهم الحرب وكان يومئذ في خزاعة مؤمنون كثير ، ويقتضي ذلك قول الخزاعي عن المستنصر بالنبي صى الله علي وسلم : [ الرجز ]
ثُمّتَ أسلمنا فلم تنزع يدا*** وفي آخر الرجز :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** وقتلونا ركّعاً وسجّداً{[5550]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.