معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (136)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا آمِنوا بالله ورسوله } الآية . قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في عبد الله بن سلام ، وأسد ، وأسيد ، ابني كعب ، وثعلبة بن قيس ، وسلام ابن أخت عبد الله بن سلام ، وشلمة بن أخيه ، ويامين بن يامين . فهؤلاء مؤمنو أهل الكتاب ، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إنا نؤمن بك ، وبكتابك ، وبموسى ، والتوراة ، وعزير ، ونكفر بما سواه من الكتب ، والرسل . فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( بل آمنوا بالله ، ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، والقرآن ، وبكل كتاب كان قبله ) . فأنزل الله هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا } بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والقرآن ، وبموسى عليه السلام ، والتوراة ، { آمنوا بالله ورسوله } محمد صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : { والكتاب الذي نزل على رسوله } ، يعني القرآن .

قوله تعالى : { والكتاب الذي أنزل من قبل } ، من التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، وسائر الكتب . قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو ، " نزل " و " أنزل " بضم النون والألف ، وقرأ الآخرون : " نزل ، وأنزل " بالفتح . أي أنزل الله .

قوله تعالى : { ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً } ، فلما نزلت هذه الآية قالوا : فإنا نؤمن بالله ، ورسوله ، والقرآن ، وبكل رسول ، وكتاب كان قبل القرآن ، والملائكة واليوم الآخر ، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون . وقال الضحاك : أراد به اليهود ، والنصارى ، يقول : { يا أيها الذين آمنوا } بموسى وعيسى ، { آمنوا } بمحمد والقرآن . وقال مجاهد : أراد به المنافقين ، يقول : يا أيها الذين آمنوا باللسان آمنوا بالقلب ، وقال أبو العالية وجماعة : هذا خطاب للمؤمنين يقول : { يا أيها الذين آمنوا آمِنوا } ، أي أقيموا ، واثبتوا على الإيمان ، كما يقال للقائم : قم حتى أرجع إليك ، أي اثبت قائماً ، قيل : المراد به أهل الشرك ، يعني : { يا أيها الذين آمنوا } باللات والعزى { آمنوا } بالله ورسوله .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (136)

135

( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ، والكتاب الذي نزل على رسوله ، والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر . . فقد ضل ضلالا بعيدًا ) . .

إنه النداء الثاني للذين آمنوا . بصفتهم هذه التي تفردهم من الجاهلية حولهم . وتحدد وظيفتهم وتكاليفهم . وتصلهم بالمصدر الذي يستمدون منه القوة والعون على هذه التكاليف !

( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ، والكتاب الذي نزل على رسوله ، والكتاب الذي أنزل من قبل ) . .

فهو بيان لعناصر الإيمان التي يجب أن يؤمن بها الذين آمنوا . بيان للتصور الإسلامي الاعتقادي :

فهو إيمان بالله ورسوله . يصل قلوب المؤمنين بربهم الذي خلقهم ، وأرسل إليهم من يهديهم إليه ، وهو الرسول [ ص ] وإيمان برسالة الرسول وتصديقه في كل ما ينقله لهم عن ربهم الذي أرسله .

وهو إيمان بالكتاب الذي نزل على رسوله . يربطهم بالمنهج الذي اختاره الله لحياتهم وبينه لهم في هذا الكتاب ؛ والأخذ بكل ما فيه ، بما أن مصدره واحد ، وطريقه واحد ؛ وليس بعضه بأحق من بعضه بالتلقي والقبول والطاعة والتنفيذ .

وهو إيمان بالكتاب الذي أنزل من قبل . بما أن مصدر الكتب كلها واحد هو الله ؛ وأساسها كذلك واحد هو إسلام الوجه لله ؛ وإفراد الله سبحانه بالألوهية - بكل خصائصها - والإقرار بأن منهج الله وحده هو الذي تجب طاعته وتنفيذه في الحياة . . وهذه الوحدة هي المقتضى الطبيعي البديهي لكون هذه الكتب - قبل تحريفها - صادرة كلها عن الله . ومنهج الله واحد ، وإرادته بالبشر واحدة ، وسبيله واحد ، تتفرق السبل من حولها وهي مستقيمة إليه واصلة .

والإيمان بالكتاب كله - بوصف أن الكتب كلها كتاب واحد في الحقيقة - هو السمة التي تنفرد بها هذه الأمة المسلمة . لأن تصورها لربها الواحد ، ومنهجه الواحد ، وطريقه الواحد ، هو التصور الذي يستقيم مع حقيقة الألوهية . ويستقيم مع وحدة البشرية . ويستقيم مع وحدة الحق الذي لا يتعدد . . والذي ليس وراءه إلا الضلال ( فماذا بعد الحق إلا الضلال ؟ ) .

وبعد الأمر بالإيمان ، يجيء التهديد على الكفر بعناصر الإيمان ، مع التفصيل فيها في موضع البيان قبل العقاب :

( ومن يكفر بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، فقد ضل ضلالا بعيدًا ) . .

وقد ذكر في الأمر الأول الإيمان بالله وكتبه ورسله . ولم يذكر الملائكة . وكتب الله تتضمن ذكر الملائكة وذكر اليوم الآخر ، ومن مقتضى الإيمان بهذه الكتب الإيمان بالملائكة وباليوم الآخر . ولكنه يبرزها هنا ، لأنه موطن الوعيد والتهديد ، الذي يبين فيه كل عنصر على التحديد .

والتعبير بالضلال البعيد غالبا يحمل معنى الإبعاد في الضلال ، الذي لا يرجى معه هدى ؛ ولا يرتقب بعده مآب !

والذي يكفر بالله الذي تؤمن به الفطرة في أعماقها كحركة ذاتية منها واتجاه طبيعي فيها ، ويكفر بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، استمدادا من كفره بالحقيقة الأولى . . الذي يكفر هذا الكفر تكون فطرته قد بلغت من الفساد والتعطل والخراب ، الحد الذي لا يرجى معه هدى ؛ ولا يرتقب بعده مآب !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (136)

{ يا أيها الذين آمنوا } خطاب للمسلمين ، أو للمنافقين ، أو لمؤمني أهل الكتاب إذ روي : أن ابن سلام وأصحابه قالوا يا رسول الله : إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير ونكفر بما سواه . فنزلت . { آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل } اثبتوا على الإيمان بذلك وداوموا عليه ، أو آمنوا به بقلوبكم كما آمنتم بألسنتكم ، أو آمنوا إيمانا تاما عاما يعم الكتب والرسل ، فإن الإيمان بالبعض كلا إيمان والكتاب الأول القرآن والثاني الجنس . وقرأ نافع والكوفيون : { الذي نزل } و{ الذي أنزل } بفتح النون والهمزة والزاي ، والباقون بضم النون والهمزة وكسر الزاي . { ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر } أي ومن يكفر بشيء من ذلك . { فقد ضل ضلالا بعيدا } عن المقصد بحيث لا يكاد يعود إلى طريقه .