غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (136)

127

واعلم أن الإنسان لا يكون قائماً بالقسط إلاّ إذا كان راسخ القدم في الإيمان فلهذا أردف ما ذكر بقوله : { يا أيها الذين آمنوا آمنوا } وظاهر مشعر بالأمر بتحصيل الحاصل . فالمفسرون ذكروا فيه وجوهاً الأول : { يا أيها الذين آمنوا } في الماضي والحاضر { آمنوا } في المستقبل أي دوموا على الإيمان واثبتوا . الثاني : { يا أيها الذين آمنوا } تقليداً { آمنوا } استدلالاً . الثالث : { يا أيها الذين آمنوا } استدلالاً إجمالياً { آمنوا } استدلالاً تفصيلياً . الرابع : { يا أيها الذين آمنوا } بالله وملائكته وكتبه ورسله { آمنوا } بأن كنه الله تعالى وعظمته وكذلك أحوال الملائكة وأسرار الكتب وصفات الرسل لا ينتهي إليها عقولكم . الخامس قال الكلبي : إن عبد الله بن سلام وأسداً وأسيداً ابني كعب وثعلبة بن قيس وجماعة من مؤمني أهل الكتاب قالوا : يا رسول الله ، إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير ، ونكفر بما سواه من الكتب والرسل فأنزل الله هذه الآية فآمنوا بكل ذلك . وقيل : إن المخاطبين ليسوا هم المسلمين والتقدير : { يا أيها الذين آمنوا } بموسى والتوراة وبعيسى والإنجيل { آمنوا } بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن وبجميع الكتب المنزلة من قبل لا ببعضها فقط ، لأن طريق العلم بصدق النبي هو المعجز وأنه حاصل في الكل ، فالخطاب لليهود والنصارى .

أو { يا أيها الذين آمنوا } باللسان { آمنوا } بالقلب فهم المنافقون ، أو { يا أيها الذين آمنوا } باللات والعزى { آمنوا } بالله فهم المشركون ، والمراد بالكتاب الذي أنزل من قبل جنسه . فإن قيل : لم ذكر في مراتب الإيمان أموراً ثلاثة : الإيمان بالله وبالرسل وبالكتب . وذكر في مراتب الكفر أموراً خمسة ؟ أجيب بأن الإيمان بالثلاثة يلزم منه الإيمان بالملائكة وباليوم الآخر ، لكنه ربما ادّعى الإنسان أنه يؤمن بالثلاثة ثم إنه ينكر الملائكة واليوم الآخر لتأويلات فاسدة ، فلما كان هذا الاحتمال قائماً نص على أن منكر الملائكة والقيامة كافر بالله . فإن قيل : لم قدم في مراتب الإيمان ذكر الرسول على ذكر الكتاب في مراتب الكفر عكس الأمر ؟ فالجواب أن الكتاب مقدم على الرسول في مرتبة النزول من الخالق إلى الخلق ، وأما في العروج فالرسول مقدم على الكتاب . وبوجه آخر الرسول الأول هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والرسل عام له ولغيره ، فلما خص ذكره أولاً للتشريف جعل ذكره تالياً لذكر الله لمزيد التشريف ولبيان أفضليته صلى الله عليه وسلم .

/خ141