معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَشَاهِدٖ وَمَشۡهُودٖ} (3)

{ وشاهد ومشهود } أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا عبد الله بن موسى بن عبيدة ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع ، عن أبي هريرة ، قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اليوم الموعود يوم القيامة ، واليوم المشهود يوم عرفة ، والشاهد يوم الجمعة ، ما طلعت شمس ولا غربت على يوم أفضل منه فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله فيها بخيرً إلا استجاب الله له ، أو يستعيذ به من شر إلا أعاذه منه " ، وهذا قول ابن عباس . والأكثرون : أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة . وروى عن ابن عمر : الشاهد : يوم الجمعة ، والمشهود يوم النحر . قال سعيد بن المسيب : الشاهد يوم التروية ، والمشهود : يوم عرفة . وروى يوسف بن مهران عن ابن عباس قال : الشاهد : محمد صلى الله عليه وسلم ، والمشهود : يوم القيامة ، ثم تلا : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً }( النساء- 41 ) ، وقال : ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود . وقال عبد العزيز بن يحيى : الشاهد : محمد صلى الله عليه وسلم ، والمشهود : الله عز وجل ، بيانه : قوله { وجئنا بك على هؤلاء شهيدا }( النساء-41 ) . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : الشاهد : آدم ، والمشهود : يوم القيامة . وقال عكرمة الشاهد : الإنسان والمشهود : يوم القيامة . وعنه أيضاً : الشاهد الملك يشهد على ابن آدم ، والمشهود يوم القيامة . وتلا : { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد }( ق- 21 ) ، { وذلك يوم مشهود } ( هود- 103 ) ، وقيل : الشاهد الحفظة والمشهود بنو آدم . وقال عطاء بن يسار : الشاهد آدم وذريته ، والمشهود يوم القيامة . وروى الوالبي عن ابن عباس : الشاهد هو الله عز وجل والمشهود يوم القيامة . وقال الحسين بن الفضل : الشاهد هذه الأمة والمشهود سائر الأمم . بيانه : { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس }( البقرة- 143 ) . وقال سالم بن عبد الله : سألت سعيد بن جبير عن قوله : { وشاهد ومشهود } فقال : الشاهد هو الله والمشهود : نحن ، بيانه : { وكفى بالله شهيداً }( النساء- 79 ) ، وقيل : الشاهد أعضاء بني آدم بيانه : { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم } الآية ( النور- 24 ) ، وقيل : الشاهد الأنبياء والمشهود محمد بيانه : قوله : { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين }( آل عمران-81 ) إلى قوله { فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين } ( آل عمران- 81 ) .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَشَاهِدٖ وَمَشۡهُودٖ} (3)

( وشاهد ومشهود ) . . في ذلك اليوم الذي تعرض فيه الأعمال ، وتعرض فيه الخلائق ، فتصبح كلها مشهودة ، ويصبح الجميع شاهدين . . ويعلم كل شيء . ويظهر مكشوفا لا يستره ساتر عن القلوب والعيون . .

وتلتقي السماء ذات البروج ، واليوم الموعود ، وشاهد ومشهود . . تلتقي جميعا في إلقاء ظلال الاهتمام والاحتفال والاحتشاد والضخامة على الجو الذي يعرض فيه بعد ذلك حادث الأخدود . . كما توحي بالمجال الواسع الشامل الذي يوضع فيه هذا الحادث . وتوزن فيه حقيقته ويصفى فيه حسابه . . وهو أكبر من مجال الأرض ، وأبعد من مدى الحياة الدنيا وأجلها المحدود . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَشَاهِدٖ وَمَشۡهُودٖ} (3)

وقوله : { وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } اختلف المفسرون في ذلك ، وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي{[29906]} حدثنا عُبَيد الله - يعني ابن موسى - حدثنا موسى بن عبيدة ، عن أيوب بن خالد بن صفوان بن أوس الأنصاري ، عن عبد الله بن رافع ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ } يوم القيامة { وَشَاهِدٍ } يوم الجمعة . وما طلعت شمس ولا غربت على يوم أفضل من يوم الجمعة ، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه ، ولا يستعيذ فيها من شر إلا أعاذه ، { وَمَشْهُودٍ } يوم عرفة " {[29907]} .

وهكذا روى هذا الحديث ابن خُزَيمة ، من طرق عن موسى بن عُبَيدة الربذي - وهو ضعيف الحديث - وقد روي موقوفا على أبي هريرة ، وهو أشبه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد ، حدثنا شعبة ، سمعت علي بن زيد ويونس بن عبيد يحدثان عن عمار - مولى بني هاشم - عن أبي هريرة - أما عليّ فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما يونس فلم يَعْدُ أبا هريرة - أنه قال في هذه الآية : { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } قال : يعني الشاهدَ يومُ الجمعة ، ويوم مشهود يوم القيامة{[29908]} .

وقال أحمد أيضا : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن يونس ، سمعت عمارًا - مولى بني هاشم - يحدث عن أبي هريرة وأنه قال في هذه الآية : { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } قال : الشاهد يوم الجمعة ، والمشهود يوم عرفة ، والموعود يوم القيامة{[29909]} .

وقد رُوي عن أبي هريرة أنه قال : اليوم الموعود يوم القيامة . وكذلك قال الحسن ، وقتادة ، وابن زيد . ولم أرهم يختلفون في ذلك ، ولله الحمد .

ثم قال ابن جرير : حدثنا محمد بن عوف ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش ، حدثني أبي ، حدثنا ضَمْضَم بن زُرْعَة ، عن شُرَيح بن{[29910]} عبيد ، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اليوم الموعود يوم القيامة ، وإن الشاهد يوم الجمعة ، وإن المشهود يوم عرفة ، ويوم الجمعة ذخره الله لنا " {[29911]} .

ثم قال ابن جرير : حدثنا سهل بن موسى الرازي ، حدثنا ابن أبي فُدَيْك ، عن ابن حرملة ، عن سعيد بن المسَيَّب أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن سيد الأيام يوم الجمعة ، وهو الشاهدُ ، والمشهود يوم عرفة " {[29912]} .

وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيَّب ، ثم قال ابن جرير :

حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا وكيع ، عن شعبة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف المكي ، عن ابن عباس قال : الشاهد هو محمد صلى الله عليه وسلم ، والمشهود يوم القيامة ، ثم قرأ : { ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ } {[29913]} [ هود : 103 ] .

وحدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن شباك قال : سأل رجل الحسن بن علي عن : { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } قال : سألت أحدًا قبلي ؟ قال : نعم ، سألت ابن عمر وابن الزبير ، فقالا يوم الذبح ويوم الجمعة . فقال : لا ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم . ثم قرأ : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا } [ النساء : 41 ] ، والمشهود يوم القيامة ، ثم قرأ : { ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ } {[29914]} .

وهكذا قال الحسن البصري . وقال سفيان الثوري ، عن ابن حرملة ، عن سعيد بن المسيب : { وَمَشْهُودٍ } يوم القيامة .

وقال مجاهد ، وعكرمة ، والضحاك : الشاهد : ابن آدم ، والمشهود : يوم القيامة .

وعن عكرمة أيضا : الشاهد : محمد صلى الله عليه وسلم ، والمشهود : يوم الجمعة .

[ وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الشاهد : الله ، والمشهود : يوم القيامة ]{[29915]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دُكَيْن ، حدثنا سفيان ، عن أبي يحيى القتات ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } قال : الشاهد : الإنسان . والمشهود : يوم الجمعة . هكذا رواه ابن أبي حاتم .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا مِهْران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } الشاهد : يوم عرفة ، والمشهود : يوم القيامة .

وبه عن سفيان - هو الثوري - عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : يوم الذبح ، ويوم عرفة ، يعني الشاهد والمشهود .

قال ابن جرير : وقال آخرون : المشهود يوم الجمعة . ورووا في ذلك ما حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، حدثني عمي عبد الله بن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن زيد بن أيمن ، عن عبادة بن نُسَيّ ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكثروا عليَّ من الصلاة يوم الجمعة ، فإنه يوم مشهود ، تشهده الملائكة " {[29916]} .

وعن سعيد بن جبير : الشاهد : الله ، وتلا { وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } [ النساء : 79 ] ، والمشهود :

نحن . حكاه البغوي ، وقال : الأكثرون على أن الشاهد : يوم الجمعة ، والمشهود : يوم عرفة .


[29906]:- (1) في أ: "المقرئ".
[29907]:- (2) ورواه الترمذي في السنن برقم (3339) من طريق روح بن عبادة وعبيد الله بن موسى، عن موسى بن عبيدة به نحوه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن عبيدة، وموسى بن عبيدة يضعف في الحديث، ضعفه يحيى بن سعيد وغيره".
[29908]:- (3) المسند (2/298) ووقع فيه: "يعني الشاهد يوم عرفة، والموعود يوم القيامة".
[29909]:- (4) المسند (2/298، 299).
[29910]:- (5) في أ: "عن".
[29911]:- (6) تفسير الطبري (30/82) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (3/298) عن هاشم بن مرثد، عن محمد بن إسماعيل به، وفيه ضعف وانقطاع، وقد تقدم هذا الإسناد مرارا.
[29912]:- (7) تفسير الطبري (30/82).
[29913]:- (1) تفسير الطبري (30/83).
[29914]:- (2) تفسير الطبري (30/83).
[29915]:- (3) زيادة من م، أ، والطبري.
[29916]:- (4) تفسير الطبري (30/84).

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَشَاهِدٖ وَمَشۡهُودٖ} (3)

1

و{ شاهد ومشهود } مراد بهما النوع . فالشاهد : الرائي ، أو المخبر بحق لإِلزام منكره . والمشهود : المَرئي أو المشهود عليه بحق . وحذف متعلق الوصفين لدلالة الكلام عليه فيجوز أن يكون الشاهد حاضرَ ذلك اليوم الموعود من الملائكة قال تعالى : { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } [ ق : 21 ] .

ويجوز أن يكون الشاهد الله تعالى ويؤيده قوله : { واللَّه على كل شيء شهيد } أو الرسل والملائكة .

والمشهود : الناس المحشورون للحساب وهم أصحاب الأعمال المعرَّضون للحساب لأن العرف في المجامع أن الشاهد فيها : هو السالم من مشقتها وهم النظارة الذين يطَّلعون على ما يجري في المجمع ، وأن المشهود : هو الذي يطَّلعُ الناسُ على ما يجري عليه .

ويجوز أن يكون الشاهد : الشاهدين من الملائكة ، وهم الحفظة الشاهدون على الأعمال . والمشهود : أصحاب الأعمال . وأن يكون الشاهد الرسل المبلغين للأمم حين يقول الكفار : ما جاءنا من بشير ولا نذير ومحمد صلى الله عليه وسلم يشهد على جميعهم وهو ما في قوله تعالى : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } [ النساء : 41 ] .

وعلى مختلف الوجوه فالمناسبة ظاهرة بين { شاهد ومشهود } وبين ما في المقسم عليه من قوله : { وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود } ، وقوله : { إذ هم عليها قعود } أي حضور .

وروى الترمذي من طريق موسى بن عبيدة إلى أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة " . أي فالتقدير : ويومٍ شاهد ويومٍ مشهود . قال الترمذي : هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث موسى بن عبيدة وموسى بن عبيدة يضعف في الحديث ضعفه يحيى بن سعيد وغيره من قِبَل حفظه اه .

ووصف « يوم » بأنه « شاهد » مجاز عقلي ، ومحمل هذا الحديث على أن هذا مما يراد في الآية من وصف { شاهد } ووصف { مشهود } فهو من حَمْل الآية على ما يحتمله اللفظ في حقيقة ومجاز كما تقدم في المقدمة التاسعة .