التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَشَاهِدٖ وَمَشۡهُودٖ} (3)

1

و{ شاهد ومشهود } مراد بهما النوع . فالشاهد : الرائي ، أو المخبر بحق لإِلزام منكره . والمشهود : المَرئي أو المشهود عليه بحق . وحذف متعلق الوصفين لدلالة الكلام عليه فيجوز أن يكون الشاهد حاضرَ ذلك اليوم الموعود من الملائكة قال تعالى : { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } [ ق : 21 ] .

ويجوز أن يكون الشاهد الله تعالى ويؤيده قوله : { واللَّه على كل شيء شهيد } أو الرسل والملائكة .

والمشهود : الناس المحشورون للحساب وهم أصحاب الأعمال المعرَّضون للحساب لأن العرف في المجامع أن الشاهد فيها : هو السالم من مشقتها وهم النظارة الذين يطَّلعون على ما يجري في المجمع ، وأن المشهود : هو الذي يطَّلعُ الناسُ على ما يجري عليه .

ويجوز أن يكون الشاهد : الشاهدين من الملائكة ، وهم الحفظة الشاهدون على الأعمال . والمشهود : أصحاب الأعمال . وأن يكون الشاهد الرسل المبلغين للأمم حين يقول الكفار : ما جاءنا من بشير ولا نذير ومحمد صلى الله عليه وسلم يشهد على جميعهم وهو ما في قوله تعالى : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } [ النساء : 41 ] .

وعلى مختلف الوجوه فالمناسبة ظاهرة بين { شاهد ومشهود } وبين ما في المقسم عليه من قوله : { وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود } ، وقوله : { إذ هم عليها قعود } أي حضور .

وروى الترمذي من طريق موسى بن عبيدة إلى أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة " . أي فالتقدير : ويومٍ شاهد ويومٍ مشهود . قال الترمذي : هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث موسى بن عبيدة وموسى بن عبيدة يضعف في الحديث ضعفه يحيى بن سعيد وغيره من قِبَل حفظه اه .

ووصف « يوم » بأنه « شاهد » مجاز عقلي ، ومحمل هذا الحديث على أن هذا مما يراد في الآية من وصف { شاهد } ووصف { مشهود } فهو من حَمْل الآية على ما يحتمله اللفظ في حقيقة ومجاز كما تقدم في المقدمة التاسعة .