البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَشَاهِدٖ وَمَشۡهُودٖ} (3)

{ وشاهد ومشهود } : هذان منكران ، وينبغي حملهما على العموم لقوله : { علمت نفس ما أحضرت } وإن كان اللفظ لا يقتضيه ، لكن المعنى يقتضيه ، إذ لا يقسم بنكرة ولا يدري من هي .

فإذا لوحظ فيها معنى العموم ، اندرج فيها المعرفة فحسن القسم .

وكذا ينبغي أن يحمل ما جاء من هذا النوع نكرة ، كقوله : { والطور وكتاب مسطور } ولأنه إذا حمل { وكتاب مسطور } على العموم دخل فيه معنيان : الكتب الإلهية ، كالتوراة والإنجيل والقرآن ، فيحسن إذ ذاك القسم به .

ولما ذكر واليوم الموعود ، وهو يوم القيامة باتفاق ، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ناسب أن يكون المقسم به من يشهد في ذلك اليوم ومن يشهد عليه .

إن كان ذلك من الشهادة ، وإن كان من الحضور ، فالشاهد : الخلائق الحاضرون للحساب ، والمشهود : اليوم ، كما قال تعالى : { ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود } كان موعوداً به فصار مشهوداً ، وقد اختلفت أقوال المفسرين في تعيينهما .

وعن ابن عباس : الشاهد : الله تعالى ؛ وعنه وعن الحسن بن علي وعكرمة : الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ وعن مجاهد وعكرمة وعطاء بن يسار : آدم عليه السلام وذريته ؛ وعن ابن عباس أيضاً والحسن : الشاهد يوم عرفة ويوم الجمعة ، وفي كل قوم منها المشهود يوم القيامة ؛ وعن علي وابن عباس وأبي هريرة والحسن وابن المسيب وقتادة : وشاهد يوم الجمعة ؛ وعن ابن المسيب : يوم التروية ؛ وعن علي أيضاً : يوم القيامة ؛ وعن النخعي : يوم الأضحى .

ومشهود في هذه الأقوال يوم عرفة ؛ وعن ابن عمر : يوم الجمعة ، ومشهود يوم النحر ؛ وعن جابر : يوم الجمعة ، ومشهود الناس ؛ وعن محمد بن كعب : ابن آدم ، ومشهود الله تعالى ؛ وعن ابن جبير : عكس هذا ؛ وعن أبي مالك : عيسى ، ومشهود أمته ، وعن علي : يوم عرفة ، ومشهود يوم النحر ؛ وعن الترمذي : الحكيم الحفظة ، ومشهود عليهم : الناس ؛ وعن عبد العزيز بن يحيى : محمد صلى الله عليه وسلم ، ومشهود عليه أمته ؛ وعنه : الأنبياء ، ومشهود أممهم ؛ وعن ابن جبير ومقاتل الجوارح يوم القيامة ، ومشهود أصحابها .

وقيل : هما يوم الاثنين ويوم الجمعة .

وقيل : الملائكة المتعاقبون وقرآن الفجر .

وقيل : النجم والليل والنهار .

وقيل : الله والملائكة وأولو العلم ، ومشهود به الوحدانية ، و { إن الدين عند الله الإسلام } وقيل : مخلوقاته تعالى ، ومشهود به وحدانيته .

وقيل : هما الحجر الأسود والحجج .

وقيل : الليالي والأيام وبنو آدم .

وقيل : الأنبياء ومحمد صلى الله عليه وسلم ؛ وهذه أقوال سبعة وعشرون لكل منها متمسك ، وللصوفية أقوال غير هذه .