المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَشَاهِدٖ وَمَشۡهُودٖ} (3)

وقوله : { ومشهود } ، معناه : عليه أو له أو فيه ، وهذا يترتب بحسب الحساب في تعيين المراد ب «شاهد ومشاهد » ، فقد اختلف الناس في المشار إليه بهما فقال ابن عباس : الشاهد الله تعالى ، والمشهود يوم القيامة ، وقال ابن عباس والحسن بن علي وعكرمة : الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم ، والمشهود يوم القيامة ، قال الله تعالى : { إنا أرسلناك شاهداً }{[11720]} [ الأحزاب : 45 ، الفتح : 8 ] ، وقال في يوم القيامة { وذلك يوم مشهود }{[11721]} [ هود : 103 ] ، وقال مجاهد وعكرمة أيضاً : الشاهد آدم وجميع ذريته ، والمشهود يوم القيامة ، ف { شاهد } اسم جنس على هذا ، وقال بعض من بسط قول مجاهد وعكرمة : { شاهد } أراد به رجل مفرد أو نسمة من النسم ، ففي هذا تذكير بحقارة المسكين ابن آدم ، والمشهود يوم القيامة ، وقال الحسن بن أبي الحسن وابن عباس أيضاً : الشاهد يوم عرفة ، ويوم الجمعة ، والمشهود يوم القيامة ، وقال ابن عباس وعلي وأبو هريرة والحسن وابن المسيب وقتادة : { شاهد } يوم الجمعة ، { ومشهود } يوم عرفة ، وقال ابن عمر : { شاهد } يوم الجمعة ، { ومشهود } يوم النحر ، وقال جابر : { شاهد } يوم الجمعة ، { ومشهود } الناس ، وقال محمد بن كعب : الشاهد أنت يا ابن آدم ، والمشهود الله تعالى ، وقال ابن جبير بالعكس ، وتلا : { وكفى بالله شهيداً }{[11722]} [ النساء : 79-166 ، الفتح : 28 ] ، وقال أبو مالك : الشاهد عيسى ، والمشهود أمته ، قال الله تعالى : { وكنت عليهم شهيداً }{[11723]} [ المائدة : 117 ] قال ابن المسيب : { شاهداً } يوم التروية ، { ومشهود } يوم عرفة ، وقال بعض الناس في كتاب النقاش : الشاهد يوم الإثنين والمشهود يوم الجمعة ، وذكره الثعلبي ، وقال علي بن أبي طالب : الشاهد يوم عرفة ، والمشهود يوم النحر ، وعنه أيضاً : { شاهد } يوم القيامة { ومشهود } يوم عرفة . وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : { شاهد } يوم الجمعة { ومشهود } يوم عرفة . قاله علي وأبو هريرة والحسن ، وقال إبراهيم النخعي : الشاهد يوم الأضحى والمشهود يوم عرفة .

قال القاضي أبو محمد : ووصف هذه الأيام ب { شاهد } لأنها تشهد لحاضريها بالأعمال ، والمشهود فيما مضى من الأقوال بمعنى المشاهد بفتح الهاء ، وقال الترمذي : الشاهد الملائكة الحفظة ، والمشهود عليهم الناس ، وقال عبد العزيز بن يحيى عند الثعلبي : الشاهد محمد ، والمشهود عليهم أمته نحو قوله تعالى :

{ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً }{[11724]} [ النساء : 41 ] أي شاهداً ، قال : الشاهد الأنبياء : والمشهود عليهم أممهم ، وقال الحسن بن الفضل : الشاهد أمة محمد ، والمشهود عليهم قوم نوح ، وسائر الأمم حسب الحديث المقصود في ذلك ، وقال ابن جبير أيضاً : الشاهد ، الجوراح التي تنطق يوم القيامة فتشهد على أصحابها ، والمشهود عليهم أصحابها ، وقال بعض العلماء : الشاهد الملائكة المتعاقبون في الأمة ، والمشهود قرآن الفجر ، وتفسيره قول الله تعالى : { إن قرآن الفجر كان مشهوداً }{[11725]} [ الإسراء : 87 ] وقال بعض العلماء : الشاهد ، النجم ، والمشهود عليه الليل والنهار ، أي يشهد النجم بإقبال هذا وتمام هذا ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «حتى يطلع الشاهد{[11726]} ، والشاهد النجم » ، وقال بعض العلماء : الشاهد الله تعالى والملائكة وأولو العلم ، والمشهود به الوحدانية وأن الدين عند الله الإسلام ، وقيل الشاهد : مخلوقات الله تعالى ، والمشهود به وحدانيته ، وأنشد الثعلبي في هذا المعنى قول الشاعر [ أبو العتاهية ] : [ المتقارب ]

وفي كل شيء له آية . . . تدل على أنه الواحد{[11727]}

وقيل المعنى : فعل الله بهم ذلك لأنهم أهل له ، فهو على جهة الدعاء بحسب البشر ، لا أن الله يدعو على أحد ، وقيل عن ابن عباس معناه : لعن ، وهذا تفسير بالمعنى ، وقيل هو إخبار بأن النار قتلتهم ، قاله الربيع بن أنس ، وسيأتي بيانه


[11720]:من الآية 45 من سورة الأحزاب، وتكررت في الآية 8 من سورة الفتح.
[11721]:من الآية 103 من سورة هود.
[11722]:من الآية 79 ، وتكررت في الآية 166 من سورة النساء، كذلك تكررت في الآية 28 من سورة الفتح.
[11723]:من الآية 117 من سورة المائدة.
[11724]:من الآية 41 من سورة النساء.
[11725]:من الآية 78 من سورة الإسراء.
[11726]:أخرجه مسلم في المسافرين، والنسائي في المواقيت، ففي صحيح مسلم عن أبي بصرة الغفاري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بالمخمص –موضع معروف لهم- فقال: إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد "والشاهد النجم". هذا والأجران أحدهما لامتثال أمر الله تعالى، والثاني للمحافظة عليها.
[11727]:الآية : العلامة، جعل الأشياء كلها علامات دالة على وحدانية الله سبحانه وتعالى.