غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَشَاهِدٖ وَمَشۡهُودٖ} (3)

1

أما الشاهد والمشهود فأقوال المفسرين فيهما كثيرة ، وقد ضبطها القفال بأن اشتقاقهما إما من الشهود الحضور ، وإما من الشهادة والصلة محذوفة أي مشهود عليه أو به . والاحتمال الأول فيه وجوه الأول : وهو مروي عن ابن عباس والضحاك ومجاهد والحسن بن عليّ وابن المسيب والنخعي والثوري ، أن المشهود يوم القيامة والشاهد الجمع الذي يحضرون فيه من الملائكة والثقلين الأولين والآخرين لقوله { من مشهد يوم عظيم } [ مريم :37 ] { ذلك } { يوم مجموع له الناس } [ هود :103 ] قال جار الله : وطريق تنكيرهما ما مرّ في قوله

{ علمت نفس ما أحضرت } [ التكوير :14 ] كأنه قيل : وما أفرطت كثرته من شاهد ومشهود . ويجوز أن يكون للتعظيم أي شاهد ومشهود لا يكتنه وصفهما . وإنما حسن القسم بيوم القيامة لأنه يوم الفصل والجزاء وتفرد الله بالحكم والقضاء . الثاني وهو قول ابن عمر وابن الزبير أن المشهود يوم الجمعة وأن الشاهد الملائكة . روى أبو الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة " . الثالث أنّه يوم عرفة والشاهد من يحضره من الحجاج قال الله تعالى { يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم } [ الحج : 27 ] وحسن القسم به تعظيماً لأمر الحج . يروى أنه تعالى يقول للملائكة يوم عرفة " انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً أتوني من كل فج عميق أشهدكم أني قد غفرت لهم وأن إبليس يصرخ ويضع التراب على رأسه لما يرى يف ذلك اليوم من نزول الرحمة " الرابع أنه يوم النحر لأن أهل الدنيا يحضرون في ذلك اليوم بمنى والمزدلفة . الخامس أنهما كل يوم فيه اجتماع عظيم للناس فيتناول الأقوال المذكورة كلها ، والدليل عليه تنكيرهما لأن القصد لم يكن فيه إلى يوم بعينه . والاحتمال الثاني فيه أيضاً وجوه أحدها : أن الشاهد هو الله تعالى والمشهود به هو التوحيد لقوله { شهد الله أنه لا إله إلا هو } [ آل عمران :18 ] وثانيها الشاهد هو الأنبياء والمشهود عليه النبي صلى الله عليه وسلم لقوله { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد }

[ النساء :41 ] وثالثها العكس لقوله { وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } [ النساء :41 ] ورابعها الشاهد الحفظة والمشهود عليه المكلفون لقوله { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } [ ق :21 ] { وإن عليكم لحافظين }

[ الانفطار :11 ] وخامسها وهو قول عطاء الخراساني : الشاهد الجوارح والمشهود عليه الإنسان

{ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم } [ النور :24 ] وسادسها الشاهد والمشهود عيسى وأمته كقوله

{ وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم } [ المائدة :117 ] وسابعها أمة محمد صلى الله عليه وسلم وسائر الأمم

{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس } [ البقرة :143 ] وثامنها قال الإمام في تفسيره : الشاهد جميع الممكنات والمشهود له واجب الوجود أخذاً من قول الأصوليين إنه استدلال بالشاهد على الغائب . وتاسعها الحجر الأسود والحجيج للحديث " الحجر الأسود يمين الله في أرضه يؤتى به يوم القيامة له عينان يبصر بهما يشهد على من زاره " أو لفظ هذا معناه . وعاشرها الأيام والليالي وأعمال بني آدم كما روي عن الحسن : ما من يوم إلا وينادي إني يوم جديد وإني على ما تعمل فيّ شهيد .

/خ22