ومن ثم عودة إلى نداء بني إسرائيل ، وتذكيرهم بنعمة الله عليهم ، وتخويفهم ذلك اليوم المخيف إجمالا قبل الأخذ في التفصيل :
( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ، وأني فضلتكم على العالمين . واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ، ولا يقبل منها شفاعة ، ولا يؤخذ منها عدل ، ولا هم ينصرون ) .
وتفضيل بني إسرائيل على العالمين موقوت بزمان استخلافهم واختيارهم ، فأما بعد ما عتوا عن أمر ربهم ، وعصوا أنبياءهم ، وجحدوا نعمة الله عليهم ، وتخلوا عن التزاماتهم وعهدهم ، فقد اعلن الله حكمه عليهم باللعنة والغضب والذلة والمسكنة ، وقضى عليهم بالتشريد وحق عليهم الوعيد .
وتذكيرهم بتفضيلهم على العالمين ، هو تذكير لهم بما كان لهم من فضل الله وعهده ؛ وإطماع لهم لينتهزوا الفرصة المتاحة على يدي الدعوة الإسلامية ، فيعودوا إلى موكب الإيمان . وإلى عهد الله ؛ شكرا على تفضيله لآبائهم ، ورغبة في العودة إلى مقام التكريم الذي يناله المؤمنين .
يذكرهم تعالى سَالفَ نعمه على آبائهم وأسلافهم ، وما كان فَضَّلهم به من إرسال الرسل منهم وإنزال الكتب عليهم وعلى سائر الأمم من أهل زمانهم ، كما قال تعالى : { وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } [ الدخان : 32 ] ، وقال تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ } [ المائدة : 20 ] .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله تعالى : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } قال : بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزمان ؛ فإن لكل زمان عالما .
ورُوي عن مجاهد ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، وإسماعيل بن أبي خالد نحوُ ذلك ، ويجب الحمل على هذا ؛ لأن هذه الأمة أفضل منهم ؛ لقوله تعالى خطابا لهذه الأمة : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ } [ آل عمران : 110 ] وفي المسانيد والسنن{[1706]} عن معاوية بن حَيْدَة القُشَيري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنتم تُوفُونَ سبعين أمة ، أنتم خيرها وأكرمها على الله " . والأحاديث في هذا كثيرة تذكر عند قوله تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }
[ وقيل : المراد تفضيل بنوع ما من الفضل على سائر الناس ، ولا يلزم تفضيلهم مطلقًا ، حكاه فخر الدين الرازي وفيه نظر . وقيل : إنهم فضلوا على سائر الأمم لاشتمال أمتهم على الأنبياء منهم ، حكاه القرطبي في تفسيره ، وفيه نظر ؛ لأن { الْعَالَمِينَ } عام يشتمل من قبلهم ومن بعدهم من الأنبياء ، فإبراهيم الخليل قبلهم وهو أفضل من سائر أنبيائهم ، ومحمد بعدهم وهو أفضل من جميع الخلق وسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين ]{[1707]} .
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ( 47 )
قد تكرر هذا النداء والتذكير بالنعمة ، وفائدة ذلك أن الخطاب الأول يصح أن يكون المؤمنين ، ويصح أن يكون للكافرين منهم ، وهذا المتكرر إنما هو للكافرين ، بدلالة ما بعده ، وأيضاً فإن فيه تقوية التوقيف وتأكيد الحض على ذكر أيادي الله وحسن خطابهم بقوله : { فضلتكم على العالمين } لأن تفضيل آبائهم وأسلافهم تفضيل لهم ، وفي الكلام اتساع .
قال قتادة وابن زيد وابن جريج وغيرهم : المعنى على عالم زمانهم( {[569]} ) الذي كانت فيه النبوءة المتكررة والملك( {[570]} ) ، لأن الله تعالى يقول لأمة محمد صلى الله عليه وسلم : «كنتم خير أمة أخرجت للناس »( {[571]} ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.