الآية 47 وقوله تعالى : ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) يحتمل وجوها : يحتمل ( أنعمت عليكم ) بمحمد صلى الله عليه وسلم وذلك ان الناس كانوا على فترة من الرسل وانقطاع من الوحي واختلاف في الأديان والمذاهب ، فبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ليجمعهم ، ويدعوهم إلى دين الله تعالى ، ويؤلف بينهم ، ويخرجهم من الحيرة والتيه . وذلك من أعظم نعمه التي أنعمها عليهم ، وبالله التوفيق .
وذلك أيضا يحتمل [ في ما ]{[733]} تقدم من الآيات ، وقوله : ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي ) [ البقرة : 40 ] ، وقوله : ( وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ) [ البقرة : 41 ] يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وعهده في الأرض رسوله كقوله : ( وإذا أخذا الله ميثاق النبيئين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ) إلى قوله ]{[734]} ( وأخذتم على ذلكم إصرى ) [ آل عمران : 81 ] أي عهدي . وعلى ذلك قوله ( ولا تكونوا أول كافر به ) [ البقرة : 41 ] يعني محمد صلى الله عليه وسلم وقوله ( ولا تلبسوا الحق بالباطل ) [ البقرة : 42 ] يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وكذلك قوله ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ) [ البقرة : 43 ] أمكن تخريج هذه الآيات كلها على محمد صلى الله عليه وسلم .
ويحتمل أيضا قوله : ( نعمتي التي أنعمت عليكم ) الوجوه التي ذكرنا{[735]} :
أحدها : أن جعل منكم الأنبياء والملوك كقوله ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا ) [ المائدة : 20 ] كما قيل : إن كل نبي من{[736]} لدن يعقوب إلى زمن عيسى عليه السلام كان من بني إسرائيل .
ويحتمل ما آتاهم عز وجل من أنواع النعم ما لم يؤت أحدا من العالمين كقوله ( وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) من المن والسلوى وتظليل الغمام [ كقوله : ( وظللنا عليكم الغمام ) [ البقرة : 57 ] ]{[737]} وامتداد اللباس على قدر القامة والطول كما قيل : إن ثيابهم كانت تزداد ، وتمتد عليهم على قدر ما تزداد قامتهم ، وكانت لا تبلى عليهم ، ولا تتوسخ . وذلك مما لم يؤت أحد سواهم .
ويحتمل أيضا قوله ( نعمتي ) النجاة من فرعون وآله كقوله : ( وإذ نجيناكم من آل فرعون ) [ البقرة : 49 ] الآية وقوله : ( وأني فضلتكم على العالمين ) قيل : فضلوا على جميع من على وجه الأرض ؛ على الدواب بالجوهر وعلى الجن بالرسل وعلى البشر بالإيمان .
ويحتمل تفضيلهم على العالمين وجوها أيضا : ما ذكرنا من بعث الأنبياء منهم والنجاة من أيدي العدو وإهلاك العدو ، وهم يرونه ، وفرق البحر بهم والنجاة منه وإهلاك العدو فيه . وذلك من أعظم النعم{[738]} أن ترى عدوك في الهلاك ، وأنت بمعزل منه آمن .
وقوله ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) إلى قوله ( وأني فضلتكم على العالمين ) يحتمل فضل أوائلهم . وفي هذه الآية وجهان على المعتزلة :
أحدهما : قوله ( اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) وعندهم أن جميع ما فعل مما عليه الفعل ، ولو فعل غيره لكان يكون [ به جائرا ]{[739]} ففعله حق عليه ، ولا أحد يكون بفعل ما لا يجوز له الترك منعما على أحد فثبت أن كان ثم منه معنى زائد{[740]} خصهم به{[741]} وأن ليس التخصيص محاباة كما زعمت المعتزلة ، ولا ترك الإنعام بخلا كما قالوا .
والثاني : قوله : ( وأني فضلتكم على العالمين ) . فلو لم يكن منه{[742]} إليهم فضل معنى لم يكن لهم تفضيل على غيرهم . فثبت أن كان فيهم ذلك .
ومن قول المعتزلة : أن ليس لله أن يخص أحدا بشيء إلا باستحقاق يفعله ، وبذلك فضلوا أنفسهم على العالمين ، لا هو . فكيف يمن عليهم بذلك ؟ ولا قوة إلا بالله ، مع ما لا يخلو تفضيله{[743]} إياهم على غيرهم من{[744]} أن يكون لهم الفضل في الدين أولا . فإن لم يكن فليس ذلك بتفضيل . [ فإن كان ]{[745]} ثبت أن ليس من الحق عليه التسوية بين الجمع في أسباب الدين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.