فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (47)

{ يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } إنما كرر ذلك سبحانه توكيدا للحجة عليهم وتحذيرا لهم من ترك اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قرنه بالوعيد وهو قوله { واتقوا يوما } قيل المراد بالنعمة أيادي الله عندهم وأيامه ، قال سفيان ابن عيينة ، وعن مجاهد التي أنعم بها على بني إسرائيل فيما سمى وفيما سوى ذلك ، فجر لهم الحجر وأنزل عليهم المن والسلوى وأنجاهم من عبودية آل فرعون ، وكان عمر ابن الخطاب إذا تلا هذه الآية قال مضى القوم وإنما يعني أنتم .

{ وأني فضلتكم على العالمين } يعني على عالمي زمانكم ، فلا يتناول من مضى ولا من يوجد بعدهم ، وهذا التفضيل وإن كان في حق الآباء ولكن يحصل به الشرف للأبناء ، قيل فيه ورود العام المراد به الخصوص ، لأن المراد بالعالمين عالمو زمانهم ، وقيل على جميع العالمين بما جعل فيهم الأنبياء ، وقال في الكشاف على الجم الغفير من الناس كقوله { باركنا فيها للعالمين } يقال رأيت عالما من الناس يراد الكثرة انتهى ، قال الرازي في تفسيره وهذا ضعيف لأن لفظ العالم مشتق من العلم وهو الدليل ، وكلما كان دليلا على الله كان علما وكان من العالم ، وهذا تحقيق قول المتكلمين : العالم كل موجود سوى الله ، وعلى هذا لا يمكن تخصيص لفظ العالم ببعض المحدثات ، انتهى .

أقول هذا الاعتراض ساقط أما أولا فدعوى اشتقاقه من العلم لا برهان عليه ، وأما ثانيا فلو سلمنا صحة هذا الاشتقاق كان المعنى موجودا بما يتحصل معه مفهوم الدليل على الله الذي يصح إطلاق اسم العلم عليه ، وهو كائن في كل فرد من أفراد المخلوقات التي يستدل بها على الخالق ، وغايته أن جمع العالم يستلزم أن يكونوا مفضلين على أفراد كثيرة من المحدثات ، وأما إنهم مفضلون على كل المحدثات في كل زمان ، فليس في اللفظ ما يفيد هذا ولا في اشتقاقه ما يدل عليه ، وأما من جعل العالم أهل العصر فغايته أن يكونوا مفضلين على أهل العصور ، لا على أهل كل عصر ، فلا يستلزم ذلك تفضيلهم على أهل العصر الذين فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم ولا على ما بعده من العصور .

ومثل هذا الكلام ينبغي استحضاره عند تفسير قوله تعالى { وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين } وعند قوله تعالى { إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين } .

فإن قيل أن التعريف في العالمين يدل على شموله لكل عالم .

قلت لو كان الأمر هكذا لم يكن ذلك مستلزما لكونهم أفضل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس } فإن هذه الآية ونحوها تكون مخصصة لتلك الآيات .