قوله : { يا بني إسراءيل اذكروا نِعْمَتِيَ التى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } قد تقدم تفسيره ، وإنما كرر ذلك سبحانه توكيداً للحجة عليهم ، وتحذيراً لهم من ترك اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قرنه بالوعيد ، وهو قوله : { واتقوا يَوْمًا } وقوله : { وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ } معطوف على مفعول اذكروا أي : اذكروا نعمتي ، وتفضيلي لكم على العالمين ، قيل المراد بالعالمين عالم زمانهم ، وقيل على جميع العالمين بما جعل ، فيهم من الأنبياء . وقال في الكشاف : على الجمّ الغفير من الناس كقوله : { بَارَكْنَا فِيهَا للعالمين } [ الأنبياء : 71 ] يقال رأيت عالماً من الناس : يراد الكثرة . انتهى . قال الرازي في تفسيره : وهذا ضعيف ؛ لأن لفظ العالم مشتق من العلم ، وهو الدليل ، وكل ما كان دليلاً على الله كان علماً ، وكان من العالم ، وهذا تحقيق قول المتكلمين : العالم كل موجود سوى الله ، وعلى هذا لا يمكن تخصيص لفظ العالم ببعض المحدثات . انتهى .
وأقول : هذا الاعتراض ساقط ، أما أوّلا ، فدعوى اشتقاقه من العلم لا برهان عليه ، وأما ثانياً : فلو سلمنا صحة هذا الاشتقاق كان المعنى موجوداً بما يتحصل معه مفهوم الدليل على الله الذي يصح إطلاق اسم العلم عليه ، وهو كائن في كل فرد من أفراد المخلوقات التي يستدل بها على الخالق ، وغايته أن جمع العالم يستلزم أن يكونوا مفضلين على أفراد كثيرة من المحدثات ؛ وأما أنهم مفضلون على كل المحدثات في كل زمان ، فليس في اللفظ ما يفيد هذا ، ولا في اشتقاقه ما يدل عليه ، وأما من جعل العالم أهل العصر ، فغايته أن يكونوا مفضلين على أهل عصور ، لا على أهل كل عصر ، فلا يستلزم ذلك تفضيلهم على أهل العصر الذين ، فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولا على ما بعده من العصور ، ومثل هذا الكلام ينبغي استحضاره عند تفسير قوله تعالى : { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مّن العالمين } [ المائدة : 20 ] وعند قوله تعالى : { وَلَقَدِ اخترناهم على عِلْمٍ عَلَى العالمين } [ الدخان : 32 ] وعند قوله تعالى : { إِنَّ الله اصطفى آدَمَ وَنُوحًا وَءالَ إبراهيم وَءالَ عمران عَلَى العالمين } [ آل عمران : 33 ] فإن قيل : إن التعريف في العالمين يدل على شموله لكل عالم . قلت : لو كان الأمر هكذا لم يكن ذلك مستلزماً لكونهم أفضل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم : لقوله تعالى { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [ آل عمران : 110 ] فإن هذه الآية ونحوها تكون مخصصة لتلك الآيات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.