أعاد الكلام توكيداً للحجّة عليهم ، وتحذيراً من ترك اتباع محمد عليه الصلاة والسلام .
قوله : " وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ " " أن " وما في حَيّزها في محلّ نصب لعطفها على المَنْصُوب في قوله : " اذْكُرُوا نِعْمَتي " أي : اذكروا نِعْمَتِي وتفضيلي إيَّاكم ، والجار متعلّق به ، وهذا من باب عطف الخَاصّ على العام ؛ لأن النعمة تشمل التَّفْضِيل .
والفضل : الزيادة في الخير ، واستعماله في الأصل التعدّي ب " على " ، وقد يتعدَّى ب " عَنْ " إمَّا على التضْمِين ، وإما على التجوُّز في الحذف ؛ كقوله : [ البسيط ]
460 لاَهِ ابْنُ عَمِّكَ لا أَفْضَلْتَ في حَسَبٍ *** عَنِّي وَلاَ أَنْتَ دَيَّانِي فتَخْزُونِي
وقد يتعدّى بنفسه ؛ كقوله : [ الوافر ]
461 وَجَدْنَا نَهْشَلاً فَضَلَتْ فُقَيْماً *** كَفَضْلِ ابْنِ المَخَاضِ عَلَى الفَصِيلِ
فعدّاه بنفسه ، وب " عن " ، وفعله " فَضَل " بالفَتْحِ " يَفْضُل " بالضم ك : " قَتَل يَقْتُل " .
وأما الذي معناه " الفَضْلَة " من الشيء ، وهي : البقيّة فَفِعْلُه أيضاً كما تقدم .
ويقال فيه أيضاً : " فَضِل " بالكسر " يَفْضَلُ " بالفتح ك : " عَلِم يَعْلَم " ، ومنهم من يكسرها في الماضي ، ويضمّها في المضارع ، وهو من التَّدَاخل بين اللغتين .
فإن قيل : قوله : { أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } يلزم منه أن يكونوا أفضل من محمد عليه الصلاة والسلام وذلك باطل .
أحدها : قال قوم : العالم عبارةٌ عن الجمع الكثير من النَّاس كقولك : رأيت عالماً من النَّاس ، والمراد منه الكثرة ، [ وهذا ] ضعيف ؛ لأن لفظ العالم مشتقّ من العلم وهو الدليل ، فكل ما كان دليلاً على الله تعالى فإنه عالم ، وهذا تحقيق قول المتكلمين : العالم كلّ موجود سوى الله .
وثانيها : المراد فضلتكم على عالمي زمانكم ، فإن الشَّخص الذي لم يوجد بعد ليس من جملة العالمين ، ومحمد عليه الصلاة والسلام ما كان موجوداً في ذلك الوَقْتِ ، فما كان ذلك الوقت من العالمين ، فلا يلزم من كون بني إسرائيل أَفْضَلَ العالمين في ذلك الوَقْت كونهم أفضل من محمد ، وهذا هو الجواب أيضاً عن قوله تعالى : { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ } [ المائدة : 20 ] ، وقال : { وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } [ الدخان : 32 ] ، أراد به عالمي ذلك الزمان .
وثالثها : قوله : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } عام في العالمين ، لكنه مطلق في الفضل ، والمطلق يكفي في صدقه صورة واحدة ، فالآية تدلّ على أن بني إسرائيل فضّلوا على كل العالمين في أمرٍ ما ، وهذا لا يقتضي أن يكونوا أفضل من كلّ العالمين في كل الأمور ، بل لعلهم ، وإن كانوا أفضل من غيرهم في أمر واحد ، فغيرهم يكون أفضل منهم فيما عدا ذلك الأمر ، وعند ذلك يظهر أنه لا يصحّ الاستدلال بقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ } [ آل عمران : 33 ] على أن الأنبياء أفضل من الملائكة .
قال : " ابن زَيْدٍ " : أراد به المؤمن منهم ؛ لأن عُصَاتهم مُسِخُوا قردةً وخنازير . وقال : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ } [ المائدة : 78 ] .
فصل في بيان أن خطاب الله لبني إسرائيل هو كذلك للعرب
جميع ما خوطب به بنو إسرائيل تنبيه للعرب ، وكذلك أقاصيص الأنبياء تنبيه وإرشاد ، قال تعالى : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ }
[ يوسف : 111 ] ، وقال تعالى : { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ }
وروى قتادة قال : ذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول : قد مضى والله بَنُو إسرائيل وما يغني ما تَسْمَعُونَ [ عن ] غيركم .
فإن قيل : لما [ خصهم ] بالنعم العظيمة في الدنيا ، فهذا يناسب أن يخصهم أيضاً بالنعم العظيمة في الآخرة ، كما قيل : إتمام المعروف خَيْرٌ من ابتدائه ، فلم أردف ذلك التخويف الشديد في قوله : { وَاتَّقُواْ يَوْماً } [ البقرة : 48 ] .
والجواب : [ أن ] المعصية مع عظيم النِّعمة تكون أقبح وأفحش ، فلهذا حذرهم عنها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.