روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (47)

{ يبَنِى إسرائيل اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } كرر التذكير للتأكيد والإيذان بكمال غفلتهم عن القيام بحقوق النعمة ، وليربط ما بعده من الوعد الشديد به لتتم الدعوة بالترغيب والترهيب ، فكأنه قال سبحانه : إن لم تطيعوني لأجل سوابق نعمتي ، فأطيعوني للخوف من لواحق عقابي ، ولتذكير التفضيل الذي هو أجل النعم ، فإنه لذلك يستحق أن يتعلق به التذكير بخصوصه مع التنبيه على أجليته بتكرير النعمة التي هي فرد من أفرادها .

{ وَأَنّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين } عطف على { نِعْمَتِيَ } من عطف الخاص على العام ، وهو مما انفردت به الواو كما في «البحر » ، ويسمى هذا النحو من العطف بالتجريد كأنه جرد المعطوف من الجملة ، وأفرد بالذكر اعتناءاً به ، والكلام على حذف مضاف أي فضلت آباءكم وهم الذين كانوا قبل التغيير ، أو باعتبار أن نعمة الآباء نعمة عليهم ، قال الزجاج : والدليل على ذلك قوله تعالى : { وَإِذْ نجيناكم } [ البقرة : 9 4 ] الخ ، والمخاطبون لم يروا فرعون ولا آله ، ولكنه تعالى أذكرهم أنه لم يزل منعماً عليهم ، والمراد بالعالمين سائر الموجودين في وقت التفضيل ، وتفضيلهم بما منحهم من النعم المشار إليها بقوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ يا قوم اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } [ المائدة : 20 ] فلا يلزم من الآية تفضيلهم على النبي صلى الله عليه وسلم ولا على أمته ، الذين هم خير أمة أخرجت للناس وكذا لا يصح الاستدلال بها على أفضلية البشر على الملائكة من جميع الوجوه ولو صح ذلك يلزم تفضيل عوامهم على خواص الملائكة ، ولا قائل به .

ومن اللطائف أن الله سبحانه وتعالى أشهد بني إسرائيل فضل أنفسهم فقال : { وَأَنّي فَضَّلْتُكُمْ } الخ ، وأشهد المسلمين فضل نفسه فقال : { قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } [ يونس : 58 ] فشتان من مشهوده فضل ربه ، ومن مشهوده فضل نفسه فالأول : يقتضي الفناء والثاني : يقتضي الإعجاب ، والحمد لله الذي فضلنا على كثيرمن خلق تفضيلاً .