معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{عِندَ سِدۡرَةِ ٱلۡمُنتَهَىٰ} (14)

قوله تعالى : { عند سدرة المنتهى } وعلى قول ابن عباس معنى :{ نزلة أخرى } هو أنه كانت للنبي صلى الله عليه وسلم عرجات في تلك الليلة لمسألة التخفيف من أعداد الصلوات ، فيكون لكل عرجة نزلة ، فرأى ربه في بعضها ، وروينا عنه : أنه رأى ربه بفؤاده مرتين . وعنه : أنه رأى بعينه ، وقوله : ( عند سدرة المنتهى ) روينا عن عبد الله ابن مسعود قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السابعة وإليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها ، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها ، قال :{ إذ يغشى السدرة ما يغشى } ، قال : فراش من ذهب . وروينا في حديث المعراج : ثم صعد بي إلى السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام فسلمت عليه ، ثم رفعت إلي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر ، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة ، والسدرة شجر النبق ، وقيل لها : سدرة المنتهى لأنه إليها ينتهي علم الخلق . قال هلال بن يسار : سأل ابن عباس كعباً عن سدرة المنتهى وأنا حاضر ، فقال كعب : إنها سدرة في أصل العرش على رؤوس حملة العرش وإليها ينتهي علم الخلائق ، وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله . أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، حدثنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه حدثنا المسوحي ، حدثنا عبد الله بن يعيش ، حدثنا يونس بن بكير ، حدثنا محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت : " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى ، قال : " يسير الراكب في ظل الغصن منها مائة عام ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب ، فيها فراش من ذهب ، كأن ثمرها القلال " . وقال مقاتل : هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار من جميع الألوان ، لو أن ورقة وضعت منها في الأرض لأضاءت لأهل الأرض ، وهي طوبى التي ذكرها الله تعالى في سورة الرعد .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{عِندَ سِدۡرَةِ ٱلۡمُنتَهَىٰ} (14)

( عند سدرة المنتهى ) . . والسدرة كما يعرف من اللفظ شجرة . فأما أنها سدرة المنتهى . فقد يعني هذا أنها التي ينتهي إليها المطاف .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{عِندَ سِدۡرَةِ ٱلۡمُنتَهَىٰ} (14)

وقوله : { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى } ، هذه هي المرة الثانية التي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها جبريل على صورته التي خلقه الله عليها ، وكانت ليلة الإسراء . وقد قدمنا الأحاديث الواردة في الإسراء بطرقها وألفاظها في أول سورة " سبحان " بما أغنى عن إعادته هاهنا ، وتقدم أن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، كان يثبت الرؤية ليلة الإسراء ، ويستشهد بهذه الآية . وتابعه جماعة من السلف والخلف ، وقد خالفه جماعات من الصحابة ، رضي الله عنهم ، والتابعين وغيرهم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم بن بَهْدَلَة ، عن زر بن حُبَيْش ، عن ابن مسعود في هذه الآية : { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى } ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت جبريل وله ستمائة جناح ، ينتثر من ريشه التهاويل : الدرّ والياقوت " {[27611]} . وهذا إسناد جيد قوي .

وقال أحمد أيضا : حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا شريك ، عن جامع بن أبي راشد ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته وله ستمائة جناح ، كل جناح منها قد سد الأفق : يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم " {[27612]} . إسناده حسن أيضا .

وقال أحمد أيضا : حدثنا زيد بن الحُبَاب ، حدثني حسين ، حدثني عاصم بن بَهْدَلَة قال : سمعت شَقِيق بن سلمة يقول : سمعت ابن مسعود يقول قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت جبريل على سدرة {[27613]} المنتهى وله ستمائة جناح " سألت عاصما عن الأجنحة فأبى أن يخبرني . قال : فأخبرني بعض أصحابه أن الجناح ما بين المشرق والمغرب {[27614]} . وهذا أيضا إسناد جيد .

وقال أحمد : حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا حسين ، حدثني عاصم بن بَهْدَلَة{[27615]} ، حدثني{[27616]} شقيق{[27617]} قال :{[27618]} سمعت ابن مسعود يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني جبريل ، عليه السلام ، في خُضر معلق به الدر {[27619]} " {[27620]} . إسناده جيد أيضا .

وقال الإمام أحمد : حدثني يحيى عن إسماعيل ، حدثنا عامر قال : أتى مسروقُ عائشة فقال : يا أم المؤمنين ، هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل ؟ قالت : سبحان الله لقد قَفّ شعري لما قلت ، أين أنت من ثلاث من حَدّثكهن فقد كذب : من حدثك أن محمدًا رأى ربه فقد كذب ، ثم قرأت : { لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ } [ الأنعام : 103 ] ، { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } [ الشورى : 51 ] ، ومن أخبرك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ، ثم قرأت : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ } الآية [ لقمان : 34 ] ، ومن أخبرك أن محمدا قد كتم{[27621]} ، فقد كذب ، ثم قرأت : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } [ المائدة : 67 ] ، ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين {[27622]} .

وقال أحمد أيضا : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي ، عن مسروق قال : كنت عند عائشة فقلت : أليس الله يقول : { وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ } [ التكوير : 23 ] ، { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى } فقالت : أنا أول هذه الأمة سأل {[27623]} رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ، فقال : " إنما ذاك جبريل " . لم يره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين ، رآه منهبطا من السماء إلى الأرض ، سادًّا عُظْمُ خلقه ما بين السماء والأرض .

أخرجاه في الصحيحين ، من حديث الشعبي ، به{[27624]} .

رواية أبي ذر ، قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن عبد الله بن شقيق قال : قلت لأبي ذر : لو رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته . قال : وما كنت تسأله ؟ قال : كنت أسأله : هل رأى ربه ، عز وجل ؟ فقال : إني قد سألته فقال : " قد رأيته ، نورا أنى أراه " {[27625]} .

هكذا وقع في رواية الإمام أحمد ، وقد أخرجه مسلم من طريقين بلفظين فقال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وَكِيع ، عن يزيد بن إبراهيم ، عن قتادة ، عن عبد الله بن شقيق ، عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ فقال : " نور أنى أراه " .

وقال : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثنا أبي ، عن قتادة ، عن عبد الله بن شقيق قال : قلت لأبي ذر : لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته . فقال : عن أي شيء كنت تسأله ؟ قال : قلت : كنت أسأله : هل رأيت ربك ؟ قال أبو ذر : قد سألت فقال : " رأيت نورا " {[27626]} .

وقد حكى الخلال في " علله " أن الإمام أحمد سُئل عن هذا الحديث فقال : ما زلتُ منكرا له ، وما أدري ما وجهه {[27627]} .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن عون الواسطي ، أخبرنا هُشَيْم ، عن منصور ، عن الحكم ، عن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي ذر قال : رآه بقلبه ، ولم يره بعينه .

وحاول ابن خُزَيمة أن يدعي انقطاعه بين عبد الله بن شَقِيق وبين أبي ذر ، وأما ابن الجوزي فتأوله على أن أبا ذر لعله سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسراء ، فأجابه بما أجابه به ، ولو سأله بعد الإسراء لأجابه بالإثبات . وهذا ضعيف جدا ، فإن عائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنها ، قد سألت عن ذلك بعد الإسراء ، ولم يثبت لها الرؤية . ومن قال : إنه خاطبها على قدر عقلها ، أو حاول تخطئتها فيما ذهبت إليه - كابن خُزيمة في كتاب التوحيد{[27628]} - ، فإنه هو المخطئ ، والله أعلم .

وقال النسائي : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشام {[27629]} ، عن منصور ، عن الحكم ، عن يزيد بن شريك ، عن أبي ذر قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه ، ولم يره ببصره {[27630]} .

وقد ثبت في صحيح مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن علي بن مُسْهِر ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أنه قال في قوله : { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى } ، قال : رأى جبريل {[27631]} ، عليه السلام{[27632]} .

وقال مجاهد في قوله : { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى } قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته مرتين ، وكذا قال قتادة والربيع بن أنس ، وغيرهم .


[27611]:- (4) المسند (1/460).
[27612]:-(1) لم أجده في المسند وذكره الحافظ ابن حجر في أطرف المسند (4/158).
[27613]:- (2) في م: "السدرة".
[27614]:- (3) المسند (1/407).
[27615]:- (4) في أ: "حصين".
[27616]:- (5) في م: "قال سمعت".
[27617]:- (6) في م: "شقيق بن سلمة".
[27618]:- (7) في م، أ: "يقول".
[27619]:- (8) في م: "الدر به".
[27620]:- (9) المسند (1/407).
[27621]:- (10) في أ: "كتم شيئا من الوحي".
[27622]:- (11) المسند (6/49).
[27623]:- (12) في أ: "سألت".
[27624]:- (13) المسند (6/241) وصحيح البخاري برقم (4855) وصحيح مسلم برقم (177) بنحوه.
[27625]:- (1) المسند (5/147).
[27626]:- (2) صحيح مسلم برقم (178).
[27627]:- (3) ووجه الإنكار لا محل له في المتن، فإن له شواهد وهو دليل على نفي الرؤية في الدنيا.
[27628]:- (4) التوحيد لابن خزيمة (ص205، 206) (ص225).
[27629]:- (5) في م، أ: "هشيم".
[27630]:- (6) النسائي في السنن الكبرى برقم (11536).
[27631]:- (7) في أ: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل".
[27632]:- (8) صحيح مسلم برقم (175).

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{عِندَ سِدۡرَةِ ٱلۡمُنتَهَىٰ} (14)

{ عند سدرة المنتهى } التي ينتهي إليها أعمال الخلائق وعلمهم ، أو ما ينزل من فوقها ويصعد من تحتها ، ولعلها شبهت بالسدرة وهي شجرة النبق لأنهم يجتمعون في ظلها . وروي مرفوعا أنها في السماء السابعة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{عِندَ سِدۡرَةِ ٱلۡمُنتَهَىٰ} (14)

و : { سدرة المنتهى } هي شجرة نبق{[10694]} ، قال كعب : هي في السماء السابعة ، وروى ذلك مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم{[10695]} . وقال ابن مسعود : في السماء السادسة . وقيل لها : { سدرة المنتهى } لأنها إليها ينتهي علم كل عالم ، ولا يعلم ما وراءها صعداً إلا الله تعالى . وقيل سميت بذلك لأنها إليها ينتهي من مات على سنة النبي صلى الله عليه وسلم .

قال القاضي أبو محمد : هم المؤمنون حقاً من كل جيل .

وقيل سميت بذلك ، لأن ما نزل من أمر الله فعندها يتلقى ولا يتجاوزها ملائكة العلو ، وما صعد من الأرض فعندها يتلقى ولا يتجاوزها ملائكة السفل . وروي عن النبي عليه السلام أن الأمة من الأمم تستظل بظل الفنن منها{[10696]} ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رفعت لي { سدرة المنتهى } ، فإذا نبقها مثل قلال هجر ، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة »{[10697]} .


[10694]:النبؤق-بكسر الباء-: ثمر السِّدر، والواحدة نبِقة، ويقال: نبق بفتح النون وسكون الباء، وقد ذكر اللغتين ابن السكيت في (إصلاح المنطق)، وهي لغة المصريين، والأولى أفصح، وهي التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[10695]:جاء ذلك في حديث انس بن مالك عن مالك بن صعصعة، رواه أحمد في مسنده.
[10696]:رواه الترمذي عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، وزاد السيوطي في الدر المنثور نسبته إلى ابن جرير، والحاكم، وابن مردويه، قالت:(سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يصف سدرة المنتهى، قال: يسير الراكب في الفنن منها مائة سنة، يستظل بالفنن منها مائة راكب، فيها فراش من ذهب، كأن ثمرها القلال). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.
[10697]:أخرجه أحمد، وابن جرير، عن أنس رضي الله عنه.(الدر المنثور).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{عِندَ سِدۡرَةِ ٱلۡمُنتَهَىٰ} (14)

وقوله : { عند سدرة المنتهى } متعلق ب { رءاه } . وخُصت بالذكر رؤيته عند سدرة المنتهى لعظيم شرف المكان بما حصل عنده من آيات ربه الكبرى ولأنها منتهى العروج في مراتب الكرامة .

و { سدرة المنتهى } : اسْم أطلقه القرآن على مكان علوي فوق السماء السابعة ، وقد ورد التصريح بها في حديث المعراج من الصحاح عن جمع من الصحابة .

ولعله شُبه ذلك المكان بالسدرة التي هي واحدة شجر السدر إما في صفة تفرعه ، وإما في كونه حداً انتهى إليه قرب النبي صلى الله عليه وسلم إلى موضع لم يبلغه قبله ملَك . ولعله مبني على اصطلاح عندهم بأن يجعلوا في حدود البقاع سدراً .

وإضافة { سدرة } إلى { المنتهى } يجوز أن تكون إضافة بيانية . ويجوز كونها لتعريف السدرة بمكان ينتهي إليه لا يتجاوزه أحد لأن ما وراءه لا تطيقه المخلوقات .

والسدرة : واحدة السدر وهو شجر النبق قالوا : ويختص بثلاثة أوصاف : ظل مديد ، وطعم لذيذ ، ورائحة ذكية ، فجعلت السدرة مثلاً لذلك المكان كما جُعلت النخلة مثلاً للمؤمِن .

وفي قوله : { ما يغشى } إبهام للتفخيم الإجمالي وأنه تضيق عنه عبارات الوصف في اللغة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{عِندَ سِدۡرَةِ ٱلۡمُنتَهَىٰ} (14)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى "يقول تعالى ذكره: ولقد رآه عند سدرة المنتهى، فعند من صلة قوله: رآهُ والسدرة: شجرة النبق. وقيل لها سدرة المنتهى في قول بعض أهل العلم من أهل التأويل، لأنه إليها ينتهي علم كلّ عالم...

وقال آخرون: قيل لها سدرة المنتهى، لأنها ينتهي ما يهبط من فوقها، ويصعد من تحتها من أمر الله إليها...

وقال آخرون: قيل لها: سِدْرة المنتهى، لأنه ينتهي إليها كلّ من كان على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومِنهاجه...

والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن معنى المنتهى الانتهاء، فكأنه قيل: عند سدرة الانتهاء. وجائز أن يكون قيل لها سدرة المنتهى: لانتهاء علم كلّ عالم من الخلق إليها، كما قال كعب. وجائز أن يكون قيل ذلك لها، لانتهاء ما يصعد من تحتها، وينزل من فوقها إليها، كما رُوي عن عبد الله. وجائز أن يكون قيل ذلك كذلك لانتهاء كلّ من خلا من الناس على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها. وجائز أن يكون قيل لها ذلك لجميع ذلك، ولا خبر يقطع العذر بأنه قيل ذلك لها لبعض ذلك دون بعض، فلا قول فيه أصحّ من القول الذي قال ربنا جلّ جلاله، وهو أنها سدرة المنتهى.

وبالذي قلنا في أنها شجرة النبق تتابعت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أهل العلم. ذكر ما في ذلك من الاَثار، وقول أهل العلم:

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، عن حميد، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انْتَهَيْتُ إلى السّدْرَةِ فإذَا نَبْقُها مِثْلُ الجِرَارِ، وَإذَا وَرَقُها مِثْل آذَانِ الفِيلَةِ فَلَمّا غَشِيَها مِنْ أمْرِ اللّهِ ما غَشِيَها، تَحَوّلَتْ ياقُوتا وَزُمُرّدا وَنَحْوَ ذلكَ».

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

جائز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبرائيل عليه السلام أولا عند سدرة المنتهى من الأرض إما برفع الحُجُب عنه وإما بزيادة قوة وضِعَت في بصره، ثم رآه مرة أخرى هنالك أيضا بعد ما رُفع صلى الله عليه وسلم إلى سِدرة المنتهى، والله أعلم...

أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :

ولعلها شبهت بالسدرة وهي شجرة النبق لأنهم يجتمعون في ظلها.

التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :

{ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى}

...

...

...

...

...

...

...

...

...

...

...

والمرئي عند السدرة هو جبريل قطعا.

السادس: أن مفسر الضمير في قوله: {ولقد رآه} وقوله: {ثم دنى فتدلى} وقوله: {فاستوى} وقوله: {وهو بالأفق الأعلى} واحدة. فلا يجوز أن يخالف بين المفسر والمفَسَّر من غير دليل.

السابع: أنه سبحانه ذكر في هذه السورة الرسولين الكريمين: الملكي، والبشري. ونزه البشرى عن الضلال والغواية، ونزه الملكي عن أن يكون شيطانا قبيحا ضعيفا، بل هو قوي كريم حسن الخَلْق. وهذا نظير المذكور في سورة التكوير سواء. الثامن: أنه أخبر هناك أنه رآه بالأفق المبين، وهاهنا: أنه رآه بالأفق الأعلى. وهو واحد وصف بصفتين، فهو مبين وأعلى. فإن الشيء كلما علا بان وظهر.

...

...

...

...

...

...

...

...

...

.

العاشر: أنه لو كان خبرا عن الرب تعالى لكان القرآن قد دل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه سبحانه مرتين: مرة بالأفق، ومرة عند السدرة. ومعلوم أن الأمر لو كان كذلك لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه وقد سأله: هل رأيت ربك -قال صلى الله عليه وسلم: «نور، أنى أراه؟» فكيف يخبر القرآن أنه رآه مرتين، ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنى أراه» وهذا أبلغ من قوله: (لم أره) لأنه مع النفي يقتضي الإخبار عن عدم الرؤية فقط. وهذا يتضمن النفي وطرفا من الإنكار على السائل، كما إذا قال لرجل: هل كان كيت وكيت؟ فيقول: كيف يكون ذلك؟

الحادي عشر: أنه لم يتقدم للرب جل جلاله ذكر يعود الضمير عليه في قوله: {ثم دنى فتدلى} والذي يعود الضمير عليه لا يصلح له وإنما هو لعبده.

الثاني عشر: أنه كيف يعود الضمير إلى ما لم يذكر، ويترك عوده إلى المذكور، مع كونه أولى به؟

الثالث عشر: أنه قد تقدم ذكر «صاحبكم» وأعاد عليه الضمائر التي تليق به، ثم ذكر بعده شديد القوى. ذا المرة. وأعاد عليه الضمائر التي تليق به. والخبر كله عن هذين المفسرين، وهما الرسول الملكي، والرسول البشري.

...

...

...

...

...

...

...

...

...

....

....

الخامس عشر: أنهم لم يماروه صلوات الله وسلامه عليه على رؤية ربه، ولا أخبرهم بها لتقع مماراتهم له عليها. وإنما ماروه على رؤية ما أخبرهم من الآيات التي أراه الله إياها. ولو أخبرهم برؤية الرب تعالى لكانت مماراتهم له عليها أعظم من مماراتهم على رؤية المخلوقات.

السادس عشر: أنه سبحانه قرر صحة ما رآه. وأن مماراتهم له على ذلك باطلة بقوله: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} ولو كان المرئي هو الرب سبحانه وتعالى والمماراة على ذلك منهم: لكان تقرير تلك الرؤية أولى، والمقام إليها أحوج. والله أعلم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فأما أنها سدرة المنتهى. فقد يعني هذا أنها التي ينتهي إليها المطاف.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{عند سدرة المنتهى} متعلق ب {رءاه}. وخُصت بالذكر رؤيته عند سدرة المنتهى لعظيم شرف المكان بما حصل عنده من آيات ربه الكبرى ولأنها منتهى العروج في مراتب الكرامة. و {سدرة المنتهى}: اسْم أطلقه القرآن على مكان علوي فوق السماء السابعة، وقد ورد التصريح بها في حديث المعراج من الصحاح عن جمع من الصحابة. ولعله شُبه ذلك المكان بالسدرة التي هي واحدة شجر السدر إما في صفة تفرعه، وإما في كونه حداً انتهى إليه قرب النبي صلى الله عليه وسلم إلى موضع لم يبلغه قبله ملَك. ولعله مبني على اصطلاح عندهم بأن يجعلوا في حدود البقاع سدراً. وإضافة {سدرة} إلى {المنتهى} يجوز أن تكون إضافة بيانية. ويجوز كونها لتعريف السدرة بمكان ينتهي إليه لا يتجاوزه أحد لأن ما وراءه لا تطيقه المخلوقات. والسدرة: واحدة السدر وهو شجر النبق قالوا: ويختص بثلاثة أوصاف: ظل مديد، وطعم لذيذ، ورائحة ذكية، فجعلت السدرة مثلاً لذلك المكان كما جُعلت النخلة مثلاً للمؤمِن. وفي قوله: {ما يغشى} إبهام للتفخيم الإجمالي وأنه تضيق عنه عبارات الوصف في اللغة...