معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ} (2)

ثم عجب نبيه فقال :{ وما أدراك ما ليلة القدر } سميت ليلة القدر لأنها ليلة تقدير الأمور والأحكام ، يقدر الله فيها أمر السنة في عباده وبلاده إلى السنة المقبلة ، كقوله تعالى : { فيها يفرق كل أمر حكيم }( الدخان- 4 ) ، وهو مصدر قولهم : قدر الله الشيء بالتخفيف ، قدراً وقدراً ، كالنهْر والنهَر ، والشعْر والشعَر ، وقدره -بالتشديد- تقديراً بمعنى واحد . قيل للحسين بن الفضل : أليس قد قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض ؟ قال : نعم ، قيل : فما معنى ليلة القدر ؟ قال : سوق المقادير التي خلقها إلى المواقيت ، وتنفيذ القضاء المقدر . وقال الأزهري : ليلة العظمة والشرف من قول الناس : لفلان عند الأمير قدر ، أي جاه ومنزلة ، ويقال : قدرت فلاناً أي عظمته . قال الله تعالى : { وما قدروا الله حق قدره }( الأنعام- 91 ) ( الزمر- 67 ) ، أي ما عظموه حق تعظيمه . وقيل : لأن العمل الصالح يكون فيها ذا قدر عند الله ؛ لكونه مقبولاً . واختلفوا في وقتها ، فقال بعضهم : إنها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رفعت ، وعامة الصحابة والعلماء على أنها باقية إلى يوم القيامة . وروي عن عبد الله بن الحسين مولى معاوية قال : قلت لأبي هريرة : زعموا أن ليلة القدر قد رفعت ؟ قال : كذب من قال ذلك ، قلت : هي في كل شهر ؟ قال : لا ، بل في شهر رمضان فاستقبله . وقال بعضهم : هي ليلة من ليالي السنة حتى لو علق رجل طلاق امرأته وعتق عبده بليلة القدر ، لا يقع ما لم تمض سنة من حين حلف ، يروى ذلك عن ابن مسعود ، قال : من يقم الحول يصبها ، فبلغ ذلك عبد الله بن عمر فقال : يرحم الله أبا عبد الرحمن ، أما إنه علم أنها في شهر رمضان ، ولكن أراد أن لا يتكل الناس . والجمهور من أهل العلم على أنها في شهر رمضان . واختلفوا في تلك الليلة ، قال أبو رزيق العقيلي : هي أول ليلة من شهر رمضان . وقال الحسن : ليلة سبع عشرة ، وهي الليلة التي كانت صبيحتها وقعة بدر . والصحيح والذي عليه الأكثرون : أنها في العشر الأواخر من شهر رمضان .

أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، أنبأنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني ، حدثنا عبدة بن سليمان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان ، ويقول : تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان " .

أخبرنا أبو عثمان الضبي ، أنبأنا أبو محمد الجراحي ، حدثنا أبو العباس المحبوبي ، حدثنا أبو عيسى ، حدثنا قتيبة ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، عن أبي يعقوب ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان شد مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله " .

واختلفوا في أنها في أي ليلة من العشر :

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، حدثنا أبو سهيل ، عن أبيه ، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان " . أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا عبد الله بن حامد الوزان ، أنبأنا مكي بن عبدان ، حدثنا عبد الله بن هاشم بن حيان ، حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا عيينة بن عبد الرحمن ، حدثني أبي قال : " ذكرت ليلة القدر عند أبي بكرة ، فقال : ما أنا بطالبها بعد شيء سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم إلا في العشر الأواخر ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : التمسوها في العشر الأواخر من تسع بقين ، أو سبع يبقين ، أو خمس يبقين ، أو آخر ليلة ، فكان أبو بكرة إذا دخل رمضان يصلي كما يصلى في سائر السنة ، فإذا دخل العشر الأواخر اجتهد " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثني خالد بن الحارث ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا أنس ، عن عبادة بن الصامت قال : " خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين ، فقال : خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت ، وعسى أن يكون خيراً لكم ، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة " .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنبأنا زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنبأنا أبو مصعب عن مالك ، عن نافع عن عبد الله بن عمر " أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر من رمضان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر ، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر " . وروي عن أبي سعيد الخدري : أنها إحدى وعشرين .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنبأنا زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنبأنا أبو مصعب عن مالك ، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد ، عن محمد ابن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد الخدري أنه قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الوسطى من رمضان ، واعتكف عاماً حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج صبحها من اعتكافه ، قال : من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ، وقد رأيت هذه الليلة ثم نسيتها ، وقد رأيتني أسجد في صبيحتها في ماء وطين ، فالتمسوها في العشر الأواخر ، والتمسوها في كل وتر " . قال أبو سعيد الخدري : فمطرت السماء تلك الليلة ، وكان المسجد على عريش فوكف المسجد . قال أبو سعيد : فأبصرت عيناي النبي صلى الله عليه وسلم قد انصرف علينا ، وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين .

وقال بعضهم : هي ليلة ثلاث وعشرين .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، حدثنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا أحمد بن خالد الحمصي ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم ، حدثني عبد الله بن أنيس ، عن أبيه " أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله أكون ببادية يقال لها الوطأة ، وإني بحمد الله أصلي بهم ، فمرني بليلة من هذا الشهر أنزلها إلى المسجد فأصليها فيه ، فقال : انزل ليلة ثلاث وعشرين فصلها فيه ، وإن أحببت أن تستتم آخر الشهر فافعل ، وإن أحببت فكف . قال : فكان إذا صلى العصر دخل المسجد فلم يخرج إلا من حاجة حتى يصلي الصبح ، فإذا صلى الصبح كانت دابته بباب المسجد " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، حدثنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا يعلى بن عبيد ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : " تذاكرنا ليلة القدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كم مضى من الشهر ؟ فقلنا : اثنتان وعشرون وبقي ثمان ، فقال : مضى اثنتان وعشرون وبقي سبع ، اطلبوها الليلة ، الشهر تسع وعشرون " .

وقال قوم : هي ليلة سبع وعشرين ، وهو قول علي وأبي وعائشة .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، حدثنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا يعلى بن عبيد ، حدثنا سفيان عن عاصم عن زر بن حبيش قال : قلت لأبي بن كعب : " يا أبا المنذر أخبرنا عن ليلة القدر ، فإن عبد الله بن مسعود يقول : من يقم الحول يصبها ، فقال : رحم الله أبا عبد الرحمن ، أما إنه قد علم أنها في رمضان ، ولكن كره أن يخبركم فتتكلوا ، هي -والذي أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم- ليلة سبع وعشرين ، فقلنا : يا أبا المنذر أنى علمت هذا ؟ قال : بالآية التي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم ، فحققناها وعددنا ، هي والله لا تنسى ، قال قلنا لزر : وما الآية ؟ قال : تطلع الشمس كأنها طاس ليس لها شعاع " .

ومن علاماتها : ما روي عن الحسن رفعه : أنها ليلة بلجة سمحة ، لا حارة ولا باردة ، تطلع الشمس صبيحتها لا شعاع لها .

وفي الجملة : أبهم الله هذه الليلة على هذه الأمة ليجتهدوا في العبادة ليالي رمضان طمعاً في إدراكها ، كما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة ، وأخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس ، واسمه الأعظم في الأسماء ، ورضاه في الطاعات ليرغبوا في جميعها ، وسخطه في المعاصي لينتهوا عن جميعها ، وأخفى قيام الساعة ليجتهدوا في الطاعات حذراً من قيامها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ} (2)

1

والليلة من العظمة بحيث تفوق حقيقتها حدود الإدراك البشري : ( وما أدراك ما ليلة القدر ? )وذلك بدون حاجة إلى التعلق بالأساطير التي شاعت حول هذه الليلة في أوهام العامة . فهي ليلة عظيمة باختيار الله لها لبدء تنزيل هذا القرآن . وإفاضة هذا النور على الوجود كله ، وإسباغ السلام الذي فاض من روح الله على الضمير البشري والحياة الإنسانية ، وبما تضمنه هذا القرآن من عقيدة وتصور وشريعة وآداب تشيع السلام في الأرض والضمير .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ} (2)

ثم قال تعالى مُعَظِّما لشأن ليلة القدر ، التي اختصها بإنزال القرآن العظيم فيها ، فقال : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ }

قال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الآية : حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا أبو داود الطيالسي ، حدثنا القاسم بن الفضل الحُدّاني{[30261]} عن يوسف بن سعد قال : قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية فقال : سَوّدتَ وجوهَ المؤمنين - أو : يا مسود وجوه المؤمنين - فقال : لا تؤنبني ، رحمك الله ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أريَ بني أمية على منبره ، فساءه ذلك ، فنزلت : { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } يا محمد ، يعني نهرًا في الجنة ، ونزلت : { إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } يملكها بعدك بنو أمية يا محمد . قال القاسم : فعددنا فإذا هي ألف شهر ، لا تزيد يومًا ولا تنقص يومًا{[30262]} . ثم قال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث القاسم بن الفضل ، وهو ثقة ، وثقه يحيى القطان وابن مهدي . قال : وشيخه يوسف بن سعد - ويقال : يوسف بن مازن - رجل مجهول ، ولا نعرف هذا الحديث ، على هذا اللفظ إلا من هذا الوجه . وقد روى هذا الحديث الحاكم في مستدركه ، من طريق القاسم{[30263]} بن الفضل ، عن يوسف بن مازن ، به{[30264]} وقول الترمذي : " إن يوسف هذا مجهول " فيه نظر ؛ فإنه قد روى عنه جماعة ، منهم : حماد بن سلمة ، وخالد الحذاء ، ويونس بن عبيد . وقال فيه يحيى بن معين : هو مشهور ، وفي رواية عن ابن معين [ قال ]{[30265]} هو ثقة . ورواه ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل ، عن عيسى بن مازن ، كذا قال ، وهذا يقتضي اضطرابًا في هذا الحديث ، والله أعلم . ثم هذا الحديث على كل تقدير منكر جدًا ، قال شيخنا الإمام الحافظ الحجة أبو الحجاج المزّي : هو حديث منكر .

قلت : وقول القاسم بن الفضل الحُدّاني{[30266]} إنه حسب مُدّة بني أمية فوجدها ألف شهر لا تزيد يومًا ولا تنقص ، ليس بصحيح ؛ فإنّ معاويةَ بن أبي سفيان ، رضي الله عنه ، استقل بالملك حين سَلّم إليه الحسن بن علي الإمرة سنةَ أربعين ، واجتمعت البيعة لمعاوية ، وسمي ذلك عام الجماعة ، ثم استمروا فيها متتابعين بالشام وغيرها ، لم تخرج عنهم إلا مدة دولة عبد الله بن الزبير في الحرمين والأهواز وبعض البلاد قريبًا من تسع سنين ، لكن لم تَزُل يدهم عن الإمرة بالكلية ، بل عن بعض البلاد ، إلى أن استلبهم بنو العباس الخلافة في سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، فيكون مجموع مدتهم اثنتين وتسعين سنة ، وذلك أزيد من ألف شهر ، فإن الألف شهر عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر ، وكأن القاسم بن الفضل أسقط من مدتهم أيام ابن الزبير ، وعلى هذا فتقارب ما قاله الصحة في الحساب ، والله أعلم .

ومما يدلّ على ضَعف هذا الحديث أنَّه سِيقَ لذم دولة بني أمية ، ولو أريد ذلك لم يكن بهذا السياق ؛ فإن تفضيل ليلة القدر على أيامهم لا يدل على ذَم أيامهم ، فإنّ ليلة القدر شريفة جدًا ، والسورة الكريمة إنما جاءت لمدح ليلة القدر ، فكيف تُمدح بتفضيلها على أيام بني أمية التي هي مذمومة ، بمقتضى هذا الحديث ، وهل هذا إلا كما قال القائل :

ألَم تَرَ أنّ السيف ينقُصُ قَدْرُه *** إذا قِيل إنّ السيف أمضَى مِن العَصَا

وقال آخر :

إذا أنتَ فَضَّلتَ امرأ ذا بَرَاعَة *** عَلى نَاقص كَانَ المديحُ منَ النَّقص

ثم الذي يفهم من ولاية{[30267]} الألف شهر المذكورة في الآية هي أيام بني أمية ، والسورة مكية ، فكيف يحال على ألف شهر هي دولة بني أمية ، ولا يدل عليها لفظ الآية ولا معناها ؟ ! والمنبر إنما صنع بالمدينة بعد مدة من الهجرة ، فهذا كله مما يدل على ضعف هذا الحديث ونكارته ، والله أعلم{[30268]} .


[30261]:- (2) في أ: "الجذامي".
[30262]:- (3) سنن الترمذي برقم (3350).
[30263]:- (4) في أ: "من حديث الحاكم".
[30264]:- (1) المستدرك (3/170) ومن طريقه البيهقي في دلائل النبوة (6/509).
[30265]:- (2) زيادة من م.
[30266]:- (3) في أ: "الجذامي".
[30267]:- (4) في م: "ثم من الذي يفهم من الآية أن".
[30268]:- (5) وانظر: البداية والنهاية (6/243، 244) فقد توسع أيضا في الكلام على هذا الحديث.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ} (2)

وقوله : { وَمَا أدْرَاكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ } يقول : وما أشعرك يا محمد أيّ شيء ليلة القدر خير من ألف شهر .

اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : العمل في ليلة القدر بما يرضي الله ، خير من العمل في غيرها ألفَ شهر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، قال : بلغني عن مجاهد { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ } قال : عملها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر .

قال : ثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمرو بن قيس الملائي ، قوله : { خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ } قال : عملٌ فيها خير من عمل ألف شهر .

وقال آخرون : معنى ذلك أن ليلة القدر خير من ألف شهر ، ليس فيها ليلة القدر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ } ليس فيها ليلة القدر .

وقال آخرون في ذلك ما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حَكّام بن سلم ، عن المُثَنّى بن الصّبّاح ، عن مجاهد قال : كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح ، ثم يجاهد العدوّ بالنهار حتي يُمْسي ، ففعل ذلك ألف شهر ، فأنزل الله هذه الاَية : { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ } قيام تلك الليلة خير من عمر ذلك الرجل .

وقال آخرون في ذلك ما :

حدثني أبو الخطاب الجاروديّ سُهيل ، قال : حدثنا سَلْم بن قُتيبة ، قال : حدثنا القاسم بن الفضل ، عن عيسى بن مازن ، قال : قلت للحسن بن عليّ رضي الله عنه : يا مسوّد وجوه المؤمنين ، عمدت إلى هذا الرجل ، فبايعت له - يعني معاوية بن أبي سفيان - فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُرِي في منامه بني أميّة يَعْلُون منبره خليفة خليفة ، فشقّ ذلك عليه ، فأنزل الله : { إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ } و { إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أدْرَاكَ ما لَيْلَةُ الْقَدرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ } يعني مُلْكَ بني أمية ، قال القاسم : فحسبنا مُلْكَ بني أمية ، فإذا هو ألف شهر .

وأشبه الأقوال في ذلك بظاهر التنزليل قول من قال : عمل في ليلة القَدْر خير من عمل ألف شهر ، ليس فيها ليلة القَدْر . وأما الأقوال الأخر ، فدعاوَى معانٍ باطلة ، لا دلالة عليها من خبر ولا عقل ، ولا هي موجودة في التنزيل .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ} (2)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

تعظيما لها . ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله: { وَمَا أدْرَاكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ } يقول: وما أشعرك يا محمد أيّ شيء ليلة القدر. "خير من ألف شهر" .

اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ؛ فقال بعضهم : معنى ذلك : العمل في ليلة القدر بما يرضي الله ، خير من العمل في غيرها ألفَ شهر ...

وقال آخرون : معنى ذلك أن ليلة القدر خير من ألف شهر ، ليس فيها ليلة القدر ...

وأشبه الأقوال في ذلك بظاهر التنزليل قول من قال : عمل في ليلة القَدْر خير من عمل ألف شهر ، ليس فيها ليلة القَدْر ...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{ وما أدراك ما ليلة القدر } هذا يحتمل وجهين : أحدهما : يقول : ما كنت تدري حتى أدراك ، كقوله : { ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا } ( هود : 49 ) . ( والثاني ) : قوله : { وما أدراك } على التعظيم لها والتعجيب ، والله أعلم . وقيل : نزول هذه الآية على معنى التسلي ، أعطاه فضل هذه الليلة والعمل بها ....

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{ وما أدْراكَ ما لَيْلَةُ القَدْرِ } تنبيهاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم على فضلها ، وحثّاً على العمل فيها ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

يعني : ولم تبلغ درايتك غاية فضلها ومنتهى علوّ قدرها . ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ وما أدراك } أي وأي شيء أعلمك وأنت شديد التفحص { ما ليلة القدر } أي لم تبلغ درايتك وأنت أعلم الناس غاية فضلها ومنتهى عليّ قدرها على ما لك من سعة العلم ، وإحاطة الفكر ، وعظيم المواهب . ...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القدر } لما فيهِ منَ الدلالةِ عَلى أنَّ علوّ قدرِها خارجٌ عنْ دائرةِ درايةِ الخَلْقِ لا يدريَها وَلاَ يدريَها إلاَّ علاَّمُ الغيوبِ كمَا يُشعِرُ بهِ . ...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

والليلة من العظمة بحيث تفوق حقيقتها حدود الإدراك البشري : ( وما أدراك ما ليلة القدر ? )وذلك بدون حاجة إلى التعلق بالأساطير التي شاعت حول هذه الليلة في أوهام العامة . فهي ليلة عظيمة باختيار الله لها لبدء تنزيل هذا القرآن . وإفاضة هذا النور على الوجود كله ، وإسباغ السلام الذي فاض من روح الله على الضمير البشري والحياة الإنسانية ...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

تنويه بطريق الإِبهام المراد به أن إدراك كنهها ليس بالسهل لما ينطوي عليه من الفضائل الجمّة . وكلمة ( ما أدراك ما كذا ) كلمة تقال في تفخيم الشيء وتعظيمه ، والمعنى : أيُّ شيء يُعَرِّفك ما هي ليلة القدر ، أي يعسر على شيءٍ أن يعرِّفك مقدارَها ، وقد تقدمت غير مرة منها ، قوله : { وما أدراك ما يوم الدين } في سورة الانفطار ( 17 ) قريباً . والواو واو الحال . وأعيد اسم { لَيْلَةُ القدر } الذي سَبق قريباً في قوله : { في ليلة القدر } [ القدر : 1 ] على خلافِ مقتضى الظاهر لأن مقتضى الظاهر الإِضمارُ ، فقُصِد الاهتمامُ بتعيينها ، فحصل تعظيم ليلة القدر صريحاً ، وحصلت كناية عن تعظيم ما أنزل فيها وأن الله اختار إنزاله فيها ليتطابق الشرفان ...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

ليلة القدر سرّ من أسرار الله { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ } فليس شأنها مما يمكن للإنسان أن يدركه بنفسه ، لأن ذلك سرّ الله في الزمان كما هو سرّه في المكان وفي الأشخاص. ...