الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ} (2)

ثم عجَّب نبيّه ( عليه السلام ) فقال : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ } .

والكلام في ليلة القدر على خمسة أبواب :

الباب الأوّل : في مأخذ هذا الاسم ومعناه ، واختلف العلماء ، فقال أكثرهم : هي ليلة الحكم والفصل يقضي اللّه فيها قضاء السنة ، وهو مصدر من قولهم : قدر اللّه الشيء قَدْراً وقَدَراً لغتان كالنَّهْر والنَّهَر والشَّعْر والشَّعَر ، وقدَّرهُ تقديراً له بمعنى واحد ، قالوا : وهي الليلة التي قال اللّه سبحانه : { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [ الدخان : 3-4 ] وإنّما سُمّيت ليلة القدر مباركة ؛ لأن اللّه سبحانه يُنزل فيها الخير والبركة والمغفرة .

وروى أبو الضحى عن ابن عباس أن اللّه عزّ وجلّ يقضي الأقضية في ليلة النصف من شعبان ويُسلمها إلى أربابها في ليلة القدر .

روي أنه تعالى يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة إلاّ الكاهن ، أو الساحر ، أو مدمن خمر ، أو عاق لوالديه ، أو مصرّ على الزنا ، أو [ مشاحن ] ، أو قاطع رحم .

وقيل للحسين بن الفضل : أليس قد قدّر اللّه سبحانه المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض ؟ قال : نعم ، قال : فما معنى ليلةُ القدر ؟ قال : سَوقُ المقادير إلى المواقيت ، وتنفيذ القضاء المقدَّر .

أخبرني عقيل أن أبا الفرج أخبرهم ، عن ابن جُبير قال : حدّثنا ابن حميد قال : حدّثنا مهران عن سفيان ، عن محمد بن سوقة ، عن سعيد بن جبير قال : يؤْذن للحُجاج في ليلة القدر فيكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم ، فلا يُغادر منهم أحد ، ولا يزاد ولا ينقصُ منهم .

وقال الزهري : هي ليلة العظمة والشرف ، من قول الناس : لفلان عند الأمير قدْر ، أي جاه ومنزلة ، يقال : قدرت فلاناً أي عظّمتهُ ، قال اللّه سبحانه : { وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } [ الأنعام : 91 ] أي ما عظّموا اللّه حق عظمتهِ ، وقال أبو بكر الورّاق : سُمِّيتْ بذلك لأنّ من لم يكن ذا قدر وخطر يصيرُ في هذه الليلة ذا قدر إذا أدركها وأحياها .

وقيل : إنّ كلّ عمل صالح يؤخذ فيها من المؤمن فيكون ذا قدر وقيمة عند اللّه ؛ لكونه مقبولا فيها .

وقيل : لأنّه أُنزل كتابٌ ذو قدر ، على رسول ذي قدر ، لأجل أُمّة ذاتِ قدر ، وقال سهل بن عبد اللّه : لأنّ اللّه سبحانه يقدّر الرحمة فيها على عباده المؤمنين .

وقيل : لأنه يُنزَّل فيها إلى الأرض ملائكة أُولو قدر وذوو خطر .

وقال الخليل بن أحمد : سُمِّيت بذلك لأنّ الأرض تضيق فيها بالملائكة ، من قوله : { وَيَقْدِرُ }

{ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } [ الطلاق : 7 ] .

الباب الثاني : اختلاف العلماء في وقتها ، وأي ليلة هي ، وذكر اختلاف الصحابة فيها .

فقال بعضهم : إنّما كانت على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم رفعت .

أخبرني عبد اللّه بن حامد إجازة قال : أخبرنا محمد بن الحسين بن الحسن قال : حدّثنا أحمد بن يوسف قال : حدّثنا عبد اللّه قال : أخبرنا سفيان ، عن الأوزاعي ، عن مرشد ، أو عن أبي مرشد قال : " كنتُ جالساً مع أبي ذرّ عند خُمرة الوسطى ، فسُئل عن ليلة القدر ، فقال : كنت أسأل الناس عنها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، قال : قلت : يا رسول اللّه ليلة القدر هل هي تكون على عهد الأنبياء ( عليهم السلام ) ، فإذا مضوا رفعت ؟ قال : " لا ، بل هي إلى يوم القيامة " .

وأخبرنا عبد اللّه بن حاطب قال : أخبرنا محمد بن عامر السمرقندي قال : أخبرنا عمر بن الحسين قال : حدّثنا عبد بن حميد ، عن روح بن عبادة قال : حدّثنا ابن جريج قال : أخبرني داود ابن أبي عاصم ، عن عبد اللّه بن عيسى مولى معاوية قال : قلت لأبي هريرة زعموا أنّ ليلة القدر قد رفعتْ ، قال : كذب من قال ذلك ، قال : قلت : هي في كلّ شهر رمضان استقبله ؟ قال : نعم .

وقال بعضهم : هي في ليالي السنة كلّها ، وإنّ من علّق طلاق امرأته أو عتق عبده ليلة القدر لم يقع الطلاق ولم ينفذ العتاق إلى مضي سنة من يوم حلف ، وهي إحدى الروايات عن ابن مسعود قال : من يُقِم الحول كلّه يصبْها . قال : فبلغ ذلك عبد اللّه بن عمر ، فقال : يرحم اللّه أبا عبد الرحمن ، أما إنه علِمَ أنها في شهر مضان ؟ ولكن أراد أن لا يتّكل الناس ، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة أنها في جميع السنة ، وحُكي عنه أيضاً أنّه قال : رفعت ليلة القدر ، وروي عن ابن مسعود أيضاً أنه قال : إذا كانت السنة في ليلة كانت العام المقبل في ليلة أُخرى ، والجمهور من أهل العلم على أنها في شهر رمضان في كل عام .

أخبرنا عبد اللّه بن حامد قال : أخبرنا محمد بن عامر قال : أخبرنا عمر بن يحيى قال : حدّثنا عبد بن حميد ، عن عبيد اللّه بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي عمير أنه سئل عن ليلة القدر : أفي كل رمضان هي ؟ قال : نعم .

وأخبرنا عقيل أن المعافى أخبرهم ، عن محمد بن جرير قال : حدّثني يعقوب قال : حدّثنا ابن عليّة قال : حدّثنا ابن ربيعة بن كلثوم قال : قال رجل للحسين وأنا أسمع : أرأيت ليلة القدر أفي كل رمضان هي ؟ قال : " نعم ، واللّه الذي لا إله إلاّ هو إنها لفي كلّ رمضان ، وإنّها ليلة يفرق فيها كلّ أمر حكيم ، فيها يقضى كلّ أجل وعمل ، ورزق وخلق إلى مثلها " .

واختلفوا في أول ليلة هي منها ، فقال أنور بن العقيلي : هي أول ليلة من شهر رمضان ، وقال الحسن : هي ليلة سبع عشرة ، وهي الليلة التي كانت صبيحتها وقعة بدر .

والصحيح أنها في العشر الأواخر من شهر رمضان ، وإليه ذهب الشافعي رضي الله عنه ، يدلّ عليه ما أخبرنا أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد الشيباني قال : أخبرنا عبد اللّه بن مسلم ، قال : حدّثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، وقال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن ابن مسلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : " أُريتُ ليلة القدر ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها ، فالتمسوها في العشر الغوابر " .

وأخبرنا أبو بكر العباسي قال : أخبرنا أبو الحسن المحفوظي قال : حدّثنا عبد اللّه بن قاسم قال : حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان وشعبة وإسرائيل ، عن ابن إسحاق ، عن هُبيرة ، عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في العشرة الأواخر من رمضان .

وأخبرنا أبو محمد المخلَّدي وعبد اللّه بن حامد قال : أخبرنا مكي قال : حدّثنا عمار بن رجاء قال : حدّثنا أحمد بن أبي طيبة ، عن عنبسة بن الأزهر ، عن أبي إسحاق ، عن الأسود بن يزيد قال : سمعت عليّاً رضي الله عنه يقول : " كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان دأب وأدأبَ أهله " .

فدلَّت هذهِ الأخبار على أن ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان .

ثم اختلفوا في أي ليلة فيها ، فقال أبو سعيد الخدري : هي الليلة الحادية والعشرون ، واحتجّ في ذلك بما أخبرنا أبو نعيم الأزهري قال : حدّثنا أبو عوانة سنة ست عشرة وثلاثمائة ، قال : أخبرنا المزني قال : قال الشافعي : وأخبرنا أبو محمد إسحاق بن إبراهيم بن أحمد المطوعي ، وأبو علي السيوري ، وأبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه المصيبي قالوا : حدّثنا أبو العباس الأصمّ قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك ، عن ابن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد الخدري قال : " كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الوسط من شهر رمضان ، فلمّا كانت [ ليلة ] إحدى وعشرين وهي التي كان يخرج في صبيحتها من اعتكافه قال صلى الله عليه وسلم : " من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ، فإني رأيت هذه الليلة ثم أُنسيتها " وقال : " وأريتني أسجد في ماء وطين ، فالتمسوها في العشر الأواخر ، والتمسوها في كل وتر " ، فأمطرت السماء في تلك الليلة ، وكان المسجد على عريش فوكف المسجد " .

قال أبو سعيد [ فأبصرت عيناي ] رسول اللّه صلى الله عليه وسلم انصرف ، علينا وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين .

وقال بعضهم : هي الليلة الثالثة والعشرون منها .

أخبرنا عبد اللّه بن حامد قال : أخبرنا عبد اللّه بن محمد الهمداني قال : أخبرنا الحسين بن عبد الأعلى قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول اللّه إني رأيتُ في النوم كأن ليلة القدر سابعة تبقى ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " أرى رؤياكم قد تواطأت على ثلاث وعشرين ، من كان منكم يريد أن يقوم من الشهر شيئاً فليقم ليلة ثلاث وعشرين " .

قال معمر : كان أيوب يغتسل ليلة ثلاث وعشرين ويمسّ طيباً .

وأخبرنا عبد اللّه بن حامد قال : أخبرنا مكّي قال : حدّثنا أحمد بن حفص قال : حدّثني أبي قال : حدّثني إبراهيم ، عن عبّاد وهو ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن ضمرة بن عبد اللّه بن أنيس ، عن أبيه قال : " كنت في مجلس من بني سلمة وأنا أصغرهم فقالوا : من يسأل لنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر ؟ وذلك صبيحة إحدى وعشرين من رمضان ، قال : فخرجت فوافيت مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب ، ثم نمت بباب بيته ، فمرّ بي فقال : " ادخل " فدخلت ، فأُتيَ بعشائه فرأيتني أكفّ عنه من قلته ، فلمّا فرغ قال : " ناولني نعلي " فقام وقمت معه ، فقال : كان لك حاجة ؟ فقلت : أرسلني إليك رهط من بني سلمة يسألونك عن ليلة القدر ، فقال : " كم الليلة ؟ " فقلت : اثنان وعشرون ، فقال : " هي الليلة " ، ثم رجع فقال : " أو الثالثة " يُريد ليلة ثلاث وعشرين " .

قال أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا طفران قال : حدّثنا الحسن بن إسماعيل المحاملي قال : حدّثنا يعقوب الدورقي قال : حدّثنا عبد اللّه بن إدريس قال : سمعت عاصم بن كليب يروي عن أبيه ، عن خاله قال : " قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " إني رأيت ليلة القدر ثم أُنسِيتُها ، ورأيت مسيح الضلالة [ فخرجت إليكم لأُبيّنها ] ، فرأيت رجلين يتلاحيان فحجزتُ بينهما فأنسيتهما ، وسأشدو لكم منها شدواً ، فأمّا ليلة القدر فاطلبوها في العشر الأواخر وتراً ، وأمّا مسيح الضلالة فرجل أجلى الجبهة ، ممسوح العين اليسرى ، عريض النحر ، فيه دمامة كأنّه فلان بن عبد العزى ، أو عبد العزى بن فلان " . قال : فذكرت هذا الحديث لابن عباس قال : وما عجبك ؟ سأل عمر بن الخطاب أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكان يسألني معهم مع الأكابر منهم ، ويقول لي : لا تتكلم حتى يتكلّموا ، فقال : علمتم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : " ليلة القدر اطلبوها في العشر الأواخر وتراً " ، ففي أي الوتر ترون ؟

قال : فأكثر القوم في الوتر ، فقال : مالك لا تكلّم ابن عباس ؟ قال : قلت : إن شئت تكلّمت ، قال : عن رأيك أسألك ؟ قال : قلت : رأيت اللّه سبحانه أكثر ذكر السبع ، وذكر السماوات سبعاً ، والأرضين والطواف سبعة ، والجمار سبعة ، وما شاء اللّه من ذلك ، خلق الإنسان من سبعة ، وجعل رزقه من سبعة . قال : قلت : خلق الإنسان ، فقال : فكلّما ذكرت عرقت ، فما قولك : خلق الإنسان من سبعة ، وجعل رزقه من سبعة ؟ قال : قلت : { خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } [ المؤمنون : 12-13 ] إلى قوله :

{ خَلْقاً آخَرَ } [ المؤمنون : 14 ] .

ثم قرأت{ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبّاً } [ عبس : 25 ] إلى قوله سبحانه :{ وَأَبّاً } [ عبس : 31 ] والأبّ ما أنبتت الأرض ممّا لا تأكله الناس ، فما أراها إلاّ ليلة ثلاث وعشرين لسبع بقين ، فقال عمر : غلبتموني أن تأتوا بما جاء به هذا الغلام الذي لم تجتمع شؤون رأسه .

وأخبرنا عبد اللّه بن حامد عن صالح بن محمد قال : حدّثنا إبراهيم بن محمد عن مسلم الأعور عن مجاهد عن ابن عباس أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له : أخبرني برأيك في ليلة القدر ، قال : فقلت : إن اللّه سبحانه وتر يحب الوتر ، السماوات سبع ، والأرضون سبع ، وترزق من سبع ، وتخرج من سبع ، ولا أراها إلاّ في سبع بقين من رمضان ، فقال عمر : وافق رأيي رأيك ، ثم ضرب منكبي وقال : ما أنت بأقل القوم علماً .

وقال زيد بن ثابت وبلال : هي ليلة أربع وعشرين ، ودليلهما ما أخبرناه عبد اللّه بن حامد قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن أبي سعيد قال : حدّثنا علي بن حرب قال : حدّثنا محمد بن معاوية قال : حدّثنا بن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن يزيد بن عبد اللّه ، عن الضابحي ، عن بلال قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " ليلة القدر ليلة أربع وعشرين " .

وقيل : هي الليلة الخامسة والعشرون ، يدلّ عليها ما أخبرنا محمد بن عبد اللّه الحافظ في آخرين قالوا : حدّثنا محمد بن يعقوب قال : حدّثنا بحر بن نصر قال : فرأى علي ابن وهب أخبرك خبر أحد منهم مالك بن أنس عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : " التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة " .

وقال قوم : هي الليلة السابعة والعشرون ، وإليه ذهب علي وأُبي وعائشة ومعاوية ، يدل عليه ما أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدوس قال : أخبرنا أبو أحمد حمزة بن العباس ببغداد قال : حدّثنا أحمد بن الوليد الفحام قال : حدّثنا مسوّد بن عامر شاذان قال : أخبرنا شعبة قال : عبد اللّه بن دينار أخبرني قال : سمعت ابن عمر يحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر قال : " من كان متحرّياً فليتحرّها في ليلة سبع وعشرين " .

وأخبرنا عبد اللّه بن حامد قراءةً عليه قال : أخبرنا محمد بن جعفر قال : حدّثنا الحسن بن علي بن عفّان قال : حدّثنا عمرو العنقري قال : حدّثنا سفيان عن عاصم عن زر بن حبيش قال : أتينا ابن مسعود فسألناه عن ليلة القدر ، فقال : من يقم الحول يصبها ، فقال : يرحم اللّه أبا عبد الرحمن قد علم أنها في شهر رمضان ، وأنها في ليلة تسع وعشرين ، قال : فقال يا أبا المنذر : أنى قد علمت ذلك ؟ فقال : بالآية التي أنبأنا بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، فحفظنا وعددنا ، قال : فواللّه فإنها لفي ما تستثني ، قال : فقلنا : أبا المنذر ما الآية ؟ قال : تطلع الشمس عندئذ كأنها طست ليس لها شعاع .

وروي عن أُبيّ بن كعب أيضاً أنّه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بأُذنيَّ وإلاّ فصمتا أنّه قال : " ليلة القدر ليلة سبع وعشرين " .

وقال بعض الصحابة : " قام بنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ليلة الثالث والعشرين ثلث الليل ، فلمّا كانت ليلة الخامس والعشرين قام بنا نصف الليل ، فلمّا كانت الليلة السابعة والعشرون قام بنا الليل كلّه " .

وقال أبو بكر الورّاق : إنّ اللّه سبحانه وتعالى قسّم كلمات هذه السورة على ليالي شهر رمضان ، فلما بلغ السابعة والعشرين أشار إليها فقال : { هِيَ } .

وقال بعضهم : هي ليلة التاسع والعشرين ، وروي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : " ليلة القدر ليلة السابع والعشرين ، أو التاسع والعشرين ، وإن الملائكة في تلك الليلة بعدد الحصى " .

وأخبرنا عبد اللّه بن حامد قال : أخبرنا مكّي قال : حدّثنا محمد بن سعيد القطان قال : حدّثنا عيينة بن عبد الرحمن قال : حدّثني أبي قال : ذكرت ليلة القدر عند أبي بكرة فقال : ما أنا بطالبها بعد شيء سمعته من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلاّ في العشر الأواخر ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : " التمسوها في العشر الأواخر في تسع بقين ، أو سبع بقين ، أو خمس بقين ، أو ثلاث بقين ، أو آخر ليلة " ، وكان أبو بكرة إذا دخل شهر رمضان ظلّ يُصلي في سائر السنة ، فإذا دخل العشر اجتهد .

وفي الجملة ، أخفى اللّه علم هذه الليلة على الأُمّة ليجتهدوا في العبادة ليالي رمضان طمعاً في إدراكها ، كما أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات ، واسمه الأعظم في الأسماء ، وساعة الإجابة في ساعات الجمعة ، وغضبه في المعاصي ، ورضاه في الطاعات ، وقيام الساعة في الأوقات ، رحمةً منه وحكمة ، واللّه أعلم .

الباب الثالث : في علامتها وأماراتها

أخبرنا أبو عمر الفراتي قال : أخبرنا أبو نصر السرخسي قال : حدّثنا محمد بن الفضل قال : حدّثنا إبراهيم بن يوسف قال : حدّثنا النضر ، عن أشعث ، عن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر : " من أماراتها أنها ليلة بلجة سمحة ، لا حارة ولا باردة ، تطلع الشمس صبيحتها ليس لها شعاع " .

وقال حميد بن عمر : كنت ليلة السابع والعشرين في البحر ، فأخذت من مائه فوجدته سلِساً .

الباب الرابع : في فضائلها وخصائصها .

حدّثنا أبو بكر محمد بن أحمد الجهني بها قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن ببغداد قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى قال : حدّثنا محمد بن كثير ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة عن النبي ( عليه السلام ) قال : " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " .

وفي الحديث : " إن الشيطان لا يخرج في هذه الليلة حتى يُضيء فجرها ، ولا يستطيع أن يصيب فيها أحد بخبل أو داء أو ضرب من ضروب الفساد ، ولا ينفذ فيها سحر ساحر " .

وروي عن ابن عباس أن النبي ( عليه السلام ) قال : " إذا كانت ليلة القدر ينزل الملائكة الذين هم سكّان سدرة المنتهى ، ومنهم جبريل ، فينزل جبريل ومعه ألوية ينصب لواءً منها على قبري ، ولواءً منها على بيت المقدس ، ولواءً في المسجد الحرام ، ولواءً على طور سيناء ، ولا يدع فيها مؤمناً ولا مؤمنة إلاّ سلّم عليه ، إلاّ مُدمن الخمر ، وآكل الخنزير ، والمتضمخ بالزعفران " .

الباب الخامس : في آدابها ، وفيما يستحب فيها .

حدّثنا أبو بكر بن عبدوس قال : حدّثنا محمد بن يعقوب قال : حدّثنا الحسين بن مكرم قال : حدّثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا كُهمس ، عن عبد اللّه بن بُريدة " أنّ عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : إنْ وافيت ليلة القدر فما أقول ؟ قال : " قولي : الّلهمّ إنّك عفوٌّ تحب العفو فاعف عنّي " .

وروى شريح بن هانئ عن عائشة قالت : لو عرفت أيّ ليلة القدر ما سألت اللّه فيها إلاّ العافية .

وأخبرنا أبو عمر الفراتي قال : أخبرنا محمد بن إسحاق بن سهل قال : حدّثنا سعيد بن عيسى قال : حدّثنا فارس بن عمر قال : حدّثنا صالح قال : حدّثنا العمري ، عن عاصم بن عبيد اللّه ، عن عبد اللّه بن عامر بن ربيعة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من صلّى المغرب والعشاء الآخرة من ليلة القدر [ في جماعة ] فقد أخذ حظه من ليلة القدر " .